أخبارالعراقالهيئات و الشعائر الحسينية

الشعائر الحسينية في العهد العثماني: بين القمع والتسامح الحذر وفقاً للظروف السياسية

شهدت إقامة الشعائر الحسينية في العراق خلال العهد العثماني تبايناً في مواقف السلطات، حيث تراوحت السياسات بين المنع الصريح والتهديد أحياناً، والسماح المشروط والمراقبة المشددة أحياناً أخرى، تبعاً للتغيرات السياسية والعسكرية، ولا سيما أثناء النزاعات بين الدولة العثمانية وإيران.
ففي عهد المماليك ببغداد، اضطر الشيعة إلى إحياء الشعائر في السراديب، خوفاً من العقوبات، حتى إنهم كانوا يلجؤون إلى وضع امرأة تدير الرحى في صحن الدار لإخفاء صوت القارئ ومَن يحضر المجلس عن المارة. وقد شكّلت فترات التهدئة السياسية فرصة نادرة للشيعة، كما حدث عقب صلح عام 1821 بين داود باشا وإيران، حيث أقام الشيخ موسى كاشف الغطاء مجلس عزاء علنيًا في داره في النجف، تبعه آخرون.
ومع سقوط حكم المماليك، شهدت أوضاع الشيعة تغيراً نسبياً، فحين تسلّم الوالي العثماني الجديد علي رضا اللاز منصبه عام 1832م، استقبله وجهاء شيعة من بغداد في الموصل وشرحوا له القيود المفروضة عليهم، فطمأنهم وسمح بإقامة المجالس فوق سطوح المنازل بدلاً من السراديب، بل حضر بنفسه أحد المجالس في بغداد خلال شهر محرم.
غير أن هذا الانفراج لم يدم طويلاً، إذ أعاد والي بغداد مدحت باشا سياسة التضييق بدعم من التيار السلفي المحلي، فأصدر في محرم عام 1869م قراراً يمنع إقامة مواكب العزاء وهدد بمعاقبة المخالفين. لكن القرار لم يصمد طويلاً، حيث اضطر مدحت باشا إلى التراجع عنه في العام التالي 1870م، ويُعزى ذلك إلى تهديد الثري الهندي إقبال الدولة – المقيم في الكاظمية – بسحب تمويله لمشاريع البنية التحتية في حال استمرار الحظر، فيما تشير مصادر أخرى إلى أن التراجع جاء بعد مشاورة الحكومة العثمانية في إسطنبول.
ويكشف هذا التاريخ عن التوتر المستمر بين السلطة العثمانية والمجتمع الشيعي في العراق بشأن ممارسة الشعائر الدينية، حيث كانت المواقف الرسمية تتقلب بحسب الظروف السياسية والدينية والتحالفات المحلية والدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى