
يتكرر مشهد إحراق المصحف الشريف أو تدنيسه في دول غربية وسط صمت رسمي، أو تبرير تحت شعار “حرية التعبير”، ما يثير تساؤلات حول حدود هذه الحرية عندما تمسّ مقدسات المسلمين الذين يشكّلون ربع سكان العالم.
ففي الوقت الذي تسارع فيه الحكومات الغربية إلى التنديد بأي إساءة تُصنف “عداء للسامية” أو ازدراء لمعتقدات أخرى، تتجاهل مشاعر المسلمين عند تدنيس كتابهم المقدس، بل تهاجم احتجاجاتهم بوصفها تهديدًا لقيم الديمقراطية. وقد ظهر ذلك جليًا في مواقف عديدة، من بينها سماح السلطات السويدية مرارًا بحرق المصحف، في حين رفضت الترخيص بحرق التوراة، مما أثار اتهامات بالازدواجية في التعامل مع الأديان.
اللافت أن حرق المصحف يتكرر في مناسبات دينية إسلامية كعيد الأضحى وشهر رمضان، ما يشير إلى نية استفزاز واضحة، كما حدث في عام 2023 حين أُحرق المصحف أمام مسجد في يوم العيد. كذلك سبق للسياسي الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز أن نشر مقطعًا مصورًا تحت عنوان: “لا للإسلام، لا لرمضان”.
ويتساءل مراقبون: ما مبرر هذا الحقد المتكرر تجاه دين لم يفرض نفسه على أحد، ولم يقم أتباعه باحتلال دول أو مصادرة حقوق شعوب؟ وهل فعلاً يمكن اعتبار تمزيق كتاب ديني أمام سفارة أو كنيسة تعبيرًا حضاريًا عن الرأي؟
وقد أثارت تصريحات مسؤولين غربيين مزيدًا من الجدل، كتصريح جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي وصف أوروبا بـ”الحديقة” في مقابل “غابة” باقي العالم، ما عُدّ تلميحًا صريحًا للتمييز الحضاري والديني والثقافي، وغياب الاحترام لمعتقدات الشعوب غير الأوروبية.
السويد كانت ساحة لأكثر مشاهد حرق المصحف إثارة للغضب، خاصة حين قامت الشرطة بحماية من أحرق القرآن أمام السفارة التركية في لندن، وهو يهتف بوصف المصحف بـ”الكتاب الشرير” ويُعرب عن شعوره بالمرح لفعلته. أما في الداخل السويدي، فكتب أساتذة قانون دفاعًا عن تلك الأفعال باعتبارها “هجومًا على الدين وليس على جماعة”، وبالتالي لا تدخل ضمن الجرائم وفق القوانين السويدية، مما يفتح الباب لتكرارها تحت مظلة قانونية.
وفي مواقف أخرى، اتخذت بعض الحكومات العربية والإسلامية إجراءات دبلوماسية، كما حدث في العراق الذي طرد السفير السويدي واستدعى سفيره من استوكهولم، عقب تكرار إهانة المصحف من قبل سلوان موميكا.
وفي المقابل، يرى مراقبون أن اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا يستثمر استفزاز مشاعر المسلمين كوسيلة لكسب الشعبية، وتوظيف حرية التعبير كغطاء لنشر الكراهية وتحقيق مكاسب انتخابية، والمقلق ليس أفعال المتطرفين أنفسهم، بل اتساع رقعة المؤيدين لهم في مجتمعات يفترض أنها تؤمن بالتنوع والتسامح.
التجارب أثبتت أن مثل هذه الإهانات لا تقلل من شأن الإسلام، بل كثيرًا ما تؤدي إلى عكس ما يقصده مثيرو الكراهية، إذ تدفع غير المسلمين إلى الاطلاع على القرآن وفهم محتواه، ما يقود البعض إلى اعتناق الإسلام عن قناعة.
ويظل المؤكد أن احترام الأديان والمقدسات هو مقياس لتحضر المجتمعات، وأن ازدراء الرموز الدينية – تحت أي ذريعة – لا يعكس حرية، بل يكشف عن خلل عميق في القيم التي يُفترض أن تكون إنسانية وشاملة.