تفجير قبة الإمامين العسكريين (عليهما السلام).. امتداد لجريمة تهديم قبور أئمة البقيع

أعاد تفجير القبة الشريفة للإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) في مدينة سامراء إلى الواجهة مشهدًا دامسًا من تاريخ الاضطهاد الممنهج الذي طال أضرحة أهل البيت (عليهم السلام)، مستحضرًا في الأذهان مأساة تهديم قبور أئمة البقيع في المدينة المنورة، في مشهد يجسّد العداء التاريخي للنهج النبوي الأصيل ومحاولة طمس معالم النور الإلهي.
فمنذ أن احتضنت سامراء الإمامين العسكريين (عليهما السلام)، غدت منارةً روحية ومهوىً لقلوب المؤمنين الذين يفدون إليها من أقاصي الأرض استلهامًا من سيرة الإمامين ومواقفهما في مواجهة الظلم العباسي، وتجديدًا للعهد مع مدرسة أهل البيت. إلّا أنّ يد الظلام امتدّت لتستهدف هذا الإرث الإيماني، فدكّت القبة الطاهرة لتزيد من جراح المحبين وتعمّق في وجدانهم مرارة الفقد والاغتراب.
لم يكن تفجير المرقد الشريف جريمة بحق حجر أو بناء فحسب، بل هو استهداف صارخ لحرمة المقدسات الإسلامية، واعتداء على وجدان أمة بكاملها، ومواصلة لنهج إقصائي استُهل قبل قرن في تهديم قبور البقيع، حينما مُحيت معالم أضرحة أئمة الهدى من الأرض في سابقة لم يعرف لها التاريخ الإسلامي مثيلاً.
ويحمل هذا الحزن، المتأصل في ضمير الإنسان المؤمن، بُعدًا يتجاوز العاطفة، فهو إدانة للمظلومية، وتجديد لعهد الولاء، وموقف يرفض الانصياع لصمت الاستكانة. إذ أصبح صوت التنديد بهذه الجرائم تجسيدًا لمظلومية مستمرة، وأداةً لإظهار القبح العقائدي والفكري الذي يحمله أصحاب هذا المشروع التدميري.
إن ما جرى في سامراء لم يكن عملاً عشوائيًا أو حادثًا عابرًا، بل هو امتداد واضح لسياسات التكفير والطغيان التي لطالما وقفت في وجه مدرسة أهل البيت، وهو ما يحتّم على الأمة أن تقف بمسؤولية أمام هذه الجرائم، وأن تجعل من الحزن صوتًا واعيًا، ومن التفاعل مع المأساة موقفًا عمليًا، ومن استذكارها دعوة عالمية لرفض العنف واستهداف المقدسات.
وما لم يُقابل هذا الاعتداء بوثبة من ضمير الأمة، تبين بشاعة هذه الأفعال وتطالب بحماية الإرث الإسلامي بجميع أشكاله، فإن يد الطغيان ستستمر في تمزيق جسد الأمة، قطعةً بعد أخرى.
وعليه، فإن تفجير مرقد العسكريين (عليهما السلام) لا يجب أن يُؤرخ له كجريمة معزولة، بل كحلقة في سلسلة طويلة من الاستهداف المتعمد لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، تبدأ من البقيع ولا تنتهي عند سامراء، ما يفرض على الأحرار كافة أن يوحدوا أصواتهم دفاعًا عن هذه المقدسات التي تُعبّر عن جوهر الإسلام المحمدي الأصيل.