
في محاضرة علمية ألقاها في إمارة الشارقة، شدّد البروفيسور ألب أرسلان أسيكجينك، الأستاذ الفخري للفكر الإسلامي بجامعة ابن خلدون في إسطنبول، على أهمية إعادة النظر في التراث العلمي الإسلامي من منظور أكثر شمولية، يدمج بين البعد الفلسفي والتجريبي والمعرفي.
وجاءت المحاضرة بمناسبة إطلاق الترجمة العربية لكتابه “التقاليد العلمية الإسلامية في التاريخ”، الذي يتناول الجذور الفلسفية والمعرفية للعلم في الحضارة الإسلامية، مؤكدًا أن ترجمة المصطلح العربي “علم” إلى الإنجليزية لا تعكس بدقة العمق الفكري الذي يحمله في السياق الإسلامي، حيث يتجاوز البعد التجريبي إلى الارتباط بالتوحيد، والأخلاق، والروحانية.
وأشار أسيكجينك إلى أن الفترة الممتدة من القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر شهدت نهضة علمية إسلامية استثنائية، حيث كانت مراكز التعلم الإسلامية مثل بيت الحكمة في بغداد ومكتبات الأندلس منارات للبحث العلمي، مقابل ما كان يُعرف بـ”العصور المظلمة” في أوروبا. فقد أسهم العلماء المسلمون في حفظ العلوم اليونانية والهندية والفارسية، وتطويرها في مجالات الفلك، والرياضيات، والكيمياء، والطب، والفلسفة.
وأوضح الأكاديمي البارز أن المعرفة في الإسلام تتنوع إلى أربعة مستويات رئيسية: المعرفة المكشوفة، المستمدة من الوحي، المعرفة المضيئة، التي ترتبط بالإلهام الروحي، المعرفة العلمية، التي تشمل العلوم التجريبية والعقلية، المعرفة اليومية، التي يستخدمها الإنسان في حياته العملية.
وحذّر أسيكجينك من أن أي معرفة لا تستند إلى هذه التصنيفات قد تؤدي إلى “المعرفة المظلمة”، ما يبرز أهمية استيعاب السياق الفلسفي والمعرفي للعلم في الإسلام. كما أكد أن النهج الإسلامي يرفض الفصل بين الدين والفلسفة والعلوم الطبيعية، خلافًا للسردية الغربية التي تفصل بين هذه المجالات، مما أسهم في تحقيق إنجازات علمية كبرى عبر التاريخ.
ومع إصدار الترجمة العربية لكتابه، يدعو أسيكجينك إلى إعادة قراءة التراث العلمي الإسلامي بشكل يبرز دوره في تحقيق التوازن بين العقل والروح، معتبرًا أن الحضارة الإسلامية تمثل شاهدًا على حقبة كان فيها العلم أداة لفهم أعمق للوجود، وليس مجرد وسيلة مادية.