الحرف اليدوية العراقية.. تراث عريق يواجه خطر الاندثار في ظل هيمنة الصناعات الحديثة

بين أصالة الماضي وإغراءات الحداثة، تخوض الحرف اليدوية العراقية معركة من أجل البقاء، في ظل المنافسة الشرسة مع الصناعات الحديثة التي تعتمد على المكائن والإنتاج السريع. ورغم ما تحمله هذه الحرف من قيمة ثقافية وتاريخية، إلا أنها تواجه تحديات اقتصادية وتقنية تهدد استمرارها.
تشهد أسواق بغداد، ولا سيما شارع المتنبي، حضورًا متواضعًا للحرف اليدوية التي كانت يومًا ما جزءًا أساسيًا من هوية المدينة، حيث يقول محمد أبو نور، أحد الحرفيين المختصين بصناعة التحف التقليدية: “المنتجات المستوردة طغت على الأسواق، لكنها لا تحمل الروح العراقية التي تميز أعمالنا اليدوية.”
ويشير إلى أن التحديات التي تواجه هذه الصناعة متعددة، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج وندرة المواد الأولية، إلى جانب ضعف الدعم الحكومي، ما دفع العديد من الحرفيين إلى ترك المهنة والبحث عن بدائل أكثر استقرارًا.
يرى الباحث الثقافي عادل العرداوي أن الحرف اليدوية تعاني من الإهمال المؤسسي، مضيفًا: “لقد تراجعت هذه الصناعات بسبب انتشار البدائل الحديثة، التي تتميز بانخفاض تكلفتها وسرعة إنتاجها، ما جعل الجدوى الاقتصادية للعمل في الحرف اليدوية شبه معدومة.”
ويقترح العرداوي إنشاء ورش ومعامل متخصصة لدعم هذه الحرف، بالإضافة إلى تسويقها محليًا ودوليًا عبر المهرجانات والمعارض التراثية.
من جانبه، يرى الباحث والمؤرخ محمد شاكر أن الصناعات اليدوية ليست مجرد منتجات، بل هي جزء أصيل من الهوية العراقية، مشيرًا إلى أن العراق يتمتع بتاريخ طويل في صناعة الفخار، السجاد، الجلود، والنسيج النباتي.
ويؤكد شاكر أن الحل لا يكمن فقط في التكيف مع التطور التكنولوجي، بل في إيجاد استراتيجيات للحفاظ على هذه المهن، مثل تقديم حوافز مالية للحرفيين، وإدراج هذه الصناعات ضمن المبادرات السياحية والثقافية.
في ظل هذه التحديات، يبقى السؤال: هل يمكن إنقاذ هذا التراث من الاندثار؟ يرى بعض الحرفيين أن السياحة قد تكون مفتاح الحل، حيث يمكن أن تسهم في إعادة إحياء الصناعات اليدوية عبر الترويج لها في الأسواق العالمية.
ويختتم أبو نور حديثه قائلاً: “إذا حصلت هذه الحرف على الدعم الكافي، فستبقى جزءًا من هوية العراق الثقافية، ولن تتمكن المكائن الحديثة من طمسها.”