مستقبل الزخرفة الإسلامية بين الأصالة والتطور في ظل التكنولوجيا
في ضوء التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، يثار تساؤل مهم حول مصير فن الزخرفة الإسلامية التي تُعد جزءًا جوهريًا من الهوية الثقافية والفنية للعالم الإسلامي. هل ستظل الزخرفة الإسلامية متمسكة بجذورها، أم أنها ستتأثر بالتكنولوجيا الحديثة التي تزداد هيمنتها في شتى المجالات؟
ناقش مجموعة من الفنانين والمزخرفين العمانيين التحديات التي تواجه الزخرفة الإسلامية في ظل العصر الرقمي، حيث أعربوا عن تفاؤلهم رغم الصعوبات. رأى العديد منهم أن الزخرفة ستستمر، لكنها ستتطور بأساليب تتماشى مع متطلبات العصر، وهو ما يعكس توازنًا بين الحفاظ على أصالتها وبين استفادتها من الأدوات الحديثة.
قال الفنان يوسف البادي إن الزخرفة الإسلامية تُعد موضوعًا معقدًا، مشيرًا إلى أن هذا الفن ليس مفهوماً حتى لدى الفنانين أنفسهم، فما بالك بالجماهير. وأضاف أن الزخرفة كانت تُعتبر غالبًا مجرد تزيين، دون التوقف عند دلالاتها الرمزية العميقة. وتساءل البادي عن مستقبل هذا الفن، محذرًا من أن الزخرفة قد تتحول إلى مجرد تكرار بديهي في ظل تقدم التكنولوجيا، التي قد تهدد الطابع اليدوي لهذا الفن.
في المقابل، يرى الفنان محمد بن عبدالكريم الزدجالي أن الزخرفة لن تختفي، بل ستتطور عبر دمجها بالفنون الحديثة، مما يسهم في جذب الأجيال الجديدة. وأكد أن التطور التكنولوجي يمكن أن يكون فرصة كبيرة إذا تم توظيفه بشكل مناسب. أما الفنانة الدكتورة هبة العبدوانية، فترى أن الجهود المبذولة في سلطنة عمان للحفاظ على هذا الفن من خلال المؤسسات الثقافية والمهرجانات تجعل الزخرفة الإسلامية حية وواقعة في قلب الثقافة العمانية.
تسود العديد من الآراء حول التحديات التي قد تهدد الزخرفة الإسلامية في العصر التكنولوجي، أبرزها تراجع الاهتمام بالزخرفة في المناهج التعليمية، مما يهدد بتقليص أهميتها. وأشار الفنان يوسف البادي إلى أن الزخرفة قد تم ربطها خطأ في كثير من الأحيان بتفسير مغاير لدورها في الإسلام، مما أدى إلى تهميشها. من ناحية أخرى، قال الفنان محمد الزدجالي إن استخدام التكنولوجيا قد يفقد الزخرفة عناصرها الإنسانية والروحانية التي كانت تميزها، لكنه أضاف أن التكنولوجيا قد توفر أدوات جديدة للابتكار إذا أُستخدمت بحذر.
عبرت الزخرفة الإسلامية عن تطورات متعددة عبر العصور، ففي الفترة الأموية كانت الزخارف بسيطة ومباشرة، بينما أصبحت أكثر تعقيدًا في العصر العباسي مع إدخال الخط العربي كعنصر أساسي. اليوم، ومع تأثيرات العولمة والتكنولوجيا، شهدت الزخرفة الإسلامية تغييرات كبيرة في أساليبها وموادها، لكن مع الحفاظ على جوهرها التقليدي.
تستمر الزخرفة الإسلامية في التعبير عن الهوية الثقافية والدينية للأمة الإسلامية من خلال أنماطها التي تميزها بالتوازن والتناغم. كما أن هذه الزخارف تحمل معاني رمزية وروحية، تعكس المعتقدات الدينية مثل وحدانية الله وتناغم خلقه. وأكد الفنان يوسف البادي أن الزخرفة ليست مجرد تزيين، بل هي تعبير عن الفكر والرؤية الإسلامية العميقة.
وفي هذا الصدد، تحدثت الفنانة أنوار الحسنية عن ضرورة إحياء الزخارف التي تعكس تاريخ وثقافة المجتمعات الإسلامية، واستخدام الرموز الدينية مثل الآيات القرآنية، مشيرة إلى أن هذه الزخارف تعزز من الهوية الثقافية والدينية، وتبقى جزءًا من الحياة اليومية للمجتمعات الإسلامية.
على الرغم من التحديات التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة، يبقى مستقبل الزخرفة الإسلامية واعدًا إذا تم التوازن بين الأصالة والابتكار. إن الحفاظ على هذا الفن التقليدي يتطلب فهماً عميقًا لدوره الثقافي والديني، مع ضرورة تعزيز التعليم حوله في المدارس والجامعات لضمان استمراره كجزء من الهوية الإسلامية في العصر الحديث.