في اكتشاف مثير يلقي الضوء على تفاعل الثقافات في العصور الوسطى، كشفت دراسة حديثة عن احتمال استخدام الكنائس الأوروبية خيامًا إسلامية لتغطية المناطق المقدسة التي تُقام فيها الصلوات والطقوس الدينية.
وتستند الدراسة إلى لوحة جدارية نادرة تعود إلى القرن الثالث عشر، عُثر عليها في كنيسة “القديسة أنطونيو” في بلدة “بوليسيني”، بمدينة “فيرارا” الإيطالية، حيث تشير التحليلات إلى أن اللوحة تكاد تكون تصويرًا دقيقًا لخيمة فاخرة، مزينة بالجواهر والألوان الزاهية، كانت تُستخدم لإخفاء المذبح عند عدم الاستخدام.
ولم يكن هذا التصوّر مجرد تخمين، إذ اكتشف الباحثون مشابك ومسامير قديمة في موقع اللوحة، يُعتقد أنها كانت تُستخدم لتعليق الخيمة الحقيقية، ويثير هذا الاكتشاف تساؤلات حول أصولها فيما إذا كانت هدية من قائد مسلم؟ أم غنيمة حرب؟ أم ربما إحدى المنسوجات الفاخرة التي أهداها البابا “إنوسنت الرابع” للأديرة الإيطالية؟
وكانت المؤرخة بجامعة “كامبريدج”، الدكتورة “فيديريكا جيغانتي”، قد اكتشفت اللوحة لأول مرة قبل أكثر من عقد، لكنها استبعدت في البداية فكرة أنها تصور خيمة إسلامية، إلا أن سنوات من البحث قادتها إلى قناعة راسخة بأن ما يمثل أمامها هو بقايا ممارسة مسيحية غير معروفة على نطاق واسع، وربما كانت شائعة في ذلك الزمن.
وقالت “جيغانتي” إنها “قدمت بحثها هذا في مؤتمرات عديدة”، متوقعةً أن يعرض أحدهم أمثلة مشابهة، لكن لم يحدث ذلك، بعد أكثر من عشر سنوات من البحث، أدركت أن هذه اللوحة قد تكون الوحيدة الباقية من نوعها”.
وأضافت الباحثة أن “الفنان بذل جهدًا كبيرًا لجعل النسيج يبدو واقعيًا”، مشيرة إلى أن استخدام الأقمشة الإسلامية داخل الكنائس كان شائعًا، حيث استُخدمت لتغطية الذخائر المقدسة ولفّ جثامين النبلاء.
تحمل تفاصيل اللوحة عناصر تصميمية تطابق الأسلوب الأندلسي، مثل الزخارف النجمية ذات الثمانية رؤوس والنقوش العربية المعروفة، ما يعكس تأثير الفنون الإسلامية في أوروبا آنذاك، حيث تتشابه هذه الرسومات مع نقوش وجدت على “الشملة الفيرمونية”، وهي قطعة قماش أندلسية يُقال إنها كانت تخص القديس “توماس بيكيت”، وكذلك مع عباءة الملك النورماني “روجر الثاني”، والتي صُنعت بأنامل حرفيين عرب باستخدام الذهب واللؤلؤ والأحجار الكريمة.
ويفتح هذا الاكتشاف الفريد باب التساؤلات حول مدى تأثير الحضارة الإسلامية على الطقوس المسيحية في العصور الوسطى، ومدى التفاعل الثقافي بين الشرق والغرب، وبينما تبقى الأدلة المادية نادرة، تظل هذه اللوحة الجدارية شاهدًا صامتًا على زمن كانت فيه الحدود بين الثقافات أقل صلابة مما يتصور الكثيرين.