أخبارالعالم الاسلاميالعراق

الجفاف يهدد أهوار العراق: أزمة مركبة تضرب النسيج البيئي والاجتماعي

تحولت أهوار العراق، التي كانت رمزًا للحياة والازدهار منذ آلاف السنين، إلى أراضٍ قاحلة نتيجة الجفاف والتغيرات المناخية، ما أدى إلى أزمات متشابكة تهدد بتدمير واحدة من أعرق الثقافات الإنسانية. تحقيق نشرته مجلة “جاكوبين” الأمريكية يوم السبت حذر من أن تداعيات الجفاف قد تؤدي إلى اختفاء الأهوار بالكامل، مع ما تحمله من إرث ثقافي يمتد لخمسة آلاف عام.
وبحسب المجلة باتت غالبية مناطق الأهوار شبه خالية من سكانها، بعد أن كانت تعج بالحياة الاقتصادية والسياحية. أكثر من 1500 شخص نزحوا من مناطق الأهوار بمحافظة ذي قار في الأشهر الستة الماضية فقط، بحسب قائم مقام الجبايش كفاح الأسدي. وتُقدّر التقديرات الرسمية أن مساحة الأراضي المغمورة قد تقلصت من 4500 كم² قبل موجات الجفاف الأخيرة إلى أقل من 1400 كم²، في حين تراجع عدد السكان الأصليين فيها إلى أقل من النصف، مع فرار الآلاف لاجئين إلى دول مجاورة وغربية.
ويشير تقرير المجلة إلى أن 33% من الثروة الحيوانية من الجاموس المائي قد نفقت خلال السنوات الأربع الماضية، إضافة إلى نفوق 95% من الأسماك، مما زاد من معاناة مربي الجاموس والصيادين الذين يعتمدون على الأهوار في معيشتهم. وأدى ارتفاع أسعار العلف النباتي إلى تفاقم الأوضاع، حيث وصل سعر الطن إلى 800 ألف دينار عراقي، مما أثقل كاهل المربين بشكل غير مسبوق.
ورغم جهود العراق بعد عام 2003 لاستعادة الأهوار وإغمارها بالمياه، إلا أن الأزمة المائية الحالية أعادت الأهوار إلى حالة الجفاف، حيث تُعتبر مياه الشرب والزراعة والنفط أولويات الحكومة، بينما لا تحتل الأهوار مكانة كبيرة في سياسات إدارة المياه.
ويشتكي العراق منذ سنوات من سياسات تركيا وإيران المائية، حيث تسببت السدود وتحريف الأنهار في تقليص كميات المياه الواصلة للبلاد. ووفقًا لمنظمة اليونسكو، فإن حجم المياه الواردة إلى العراق تراجع من 93.47 مليار متر مكعب في 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في 2020، مع توقعات بتفاقم الأزمة بحلول 2050.
مرصد “العراق الأخضر” دعا في 23 يناير الجهات المعنية والمنظمات الدولية للتحرك العاجل لإنقاذ الأهوار من المصير المحتوم. وأكد المرصد أن مناطق مثل الأهوار الوسطى وهور الحمار والحويزة تحولت إلى أراضٍ جافة، وأصبحت خطط إنقاذها ضرورة ملحة.
وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الأمطار بنسبة 30%، ومع استمرار تجاهل أهمية الأهوار كرافد بيئي وثقافي واقتصادي، تبدو هذه المناطق مهددة بالاختفاء التام. وبينما يكافح سكان الأهوار للبقاء على قيد الحياة وسط هذه الظروف القاسية، تبقى الحاجة إلى حلول جذرية وإنقاذ عاجل أمرًا لا يحتمل التأجيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى