تذكر المصادر التاريخية لمملكة “ويلز” أنه في القرن الثاني عشر، عاد أحد فرسان الحروب الصليبية إلى وطنه، يرافقه بنّاء عربي اشتهر بين السكان المحليين حينها باسم “لاليس”، وهو تحريف للاسم العربي “العزيز”، حيث أسهم الأخير في بناء عدد من المعالم المعمارية التي لا تزال تبهر الزوار حتى اليوم، مثل دير “نيث” في جنوب المملكة، والذي يعد من أبرز الآثار الرهبانية في البلاد.
لكن هذه الرواية ليست استثنائية، فوفقاً للمؤلفة “ديانا دارك”، التي طرحت في كتابها الجديد والمعنون بـ “إسلاميسك” فرضية وصفها أقرانها بـ “الجريئة” عبر تأكيدها أن “عالم البناء والحرف الزخرفية في أوروبا خلال العصور الوسطى، كان تحت هيمنة المسلمين”، وبقدر ما قد تبدو هذه الفرضية غريبة في البداية، بالنظر إلى الصورة النمطية السائدة في أوروبا حول المسلمين كـ “عنصر دخيل” على القارة، إلا أن “دارك”، التي سبق وكشفت في كتابها السابق “سرقة من السراسنة” لسنة (2020) عن تأثير العمارة الإسلامية على أوروبا.
وفي عملها الجديد، تتوسع الكاتبة والمؤرخة البارزة في تقديم الأدلة التي تشير إلى أن الطراز المعماري “الرومانسكي” في العصور الوسطى، كان مستلهماً بشكل كبير من العمارة الإسلامية، حيث أظهرت كيف أن العديد من روائع هذا الطراز التي تزخر بها أوروبا، قد شُيدت على يد عرب ومسلمين، إلى درجة ترى معها “دارك” أن الـ “إسلاميسك” هو الوصف الأكثر دقة لهذا الفن المعماري.
ويستعرض الكتاب الجديد، بعضاً من معالم تأثير المسلمين في أوروبا، حيث كانت المجتمعات المسلمة في العصور الوسطى تحظى بتقدير كبير، وكان مهندسوها وحرفيوها من أكثر الأشخاص احتراماً في المجتمع الأوروبي، كما أشار الكتاب إلى دور جزيرة “صقلية” كجسر حيوي بين العالم الإسلامي وأوروبا، مما سهل دخول الحرفيين المسلمين إلى القارة للعمل في مشاريع معمارية ضخمة.
ومن الأمثلة البارزة التي تقدمها “دارك” على التأثير الإسلامي في أوروبا، هو برج “بيزا” المائل في إيطاليا، وكاتدرائية “لو بوي” في فرنسا، حيث تظهر الزخارف والنقوش العربية بشكل واضح، كما تذكر تأثيرات الطراز الإسلامي في بريطانيا، والتي يعد من أبرز الأمثلة عليها، هي كاتدرائية “بريستول”، وقلعة “تاور أوف لندن”، فضلاً عن منحوتات مستوحاة من أسلوب الخلافة الفاطمية في أروقة كاتدرائية “ديرهام”.
أما في سياق العصر الحديث، فتؤكد “دارك” أن عملها ليس مجرد إعادة قراءة للتاريخ فحسب، بل هو دعوة لإعادة التفكير في الإرث المشترك بين الثقافات، حيث ترى الكاتبة في ظل الأجواء السياسية الحالية التي تشهد تصاعداً في النزعات القومية والإسلاموفوبيا، أن فهم هذه الروابط الثقافية قد يكون المفتاح لتغيير التصورات السلبية عن المسلمين في أوروبا اليوم.