في السنوات الأخيرة، تزايدت التقارير حول جرائم الاعتداء الجسدي في المملكة المتحدة، وهي ظاهرة ألقت بظلالها على المجتمع البريطاني وتسببت في نقاشات مشتعلة حول الدين، الثقافة، والقيم المجتمعية، ومع ذلك، فإن استغلال هذه القضايا لتشويه الإسلام ووصمه بأنه المحرك لهذه الجرائم، قد أثار جدلاً واسعاً ومخاوف من أجندات خفية.
وأكدت مصادر أكاديمية إنه وعلى الرغم من عدم وجود دليل يربط الإسلام مباشرة بهذه الجرائم، يصرّ البعض على استغلالها لتشويه صورة المسلمين، حيث أشار تقرير لوزارة الداخلية البريطانية في عام 2020 إلى أن الجرائم الجنسية ليست حصرية لأي عرق أو دين معين، وأن معظم الجناة في المملكة المتحدة هم من العرق الأبيض.
وأوضح مراقبون محليون أنه على النطاق التاريخي، فقد كانت فضيحة “روثرهام” بين عامي 1997 و2013 من أبرز الأمثلة على التغطيات الإعلامية المشوهة، حيث تم استغلالها للتأكيد على وجود صلة بين الجريمة والإسلام، رغم أن الإسلام يُدين بشكل قاطع مثل هذه الأفعال ويدعو إلى تحقيق العدالة دون محاباة.
وبينما ترفض التقارير المستقلة ربط الدين بهذه الجرائم، يسعى البعض من التيارات اليمينية المتطرفة لاستغلال القضية لتأجيج الكراهية تجاه المسلمين والمهاجرين، وقد وصف بعض المعلقين الإسلام زوراً بأنه “مشجع على الاعتداء الجنسي”، متجاهلين تعاليمه الصارمة التي تحرم أي سلوك غير أخلاقي وتعزز قيم الطهارة وضبط النفس، وفقاً للآية القرآنية الكريمة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” [النساء:135].
من بين هذه الاتهامات، هو ما جاء على لسان السياسي البريطاني “أندرو نيل” بدعوته زعماء الجالية المسلمة الباكستانية البريطانية إلى إدانة فضيحة “روثرهام”، إلا أنه لم يتطرق بأي شكل من الأشكال تجاه إدانة إساءة الكنيسة الكاثوليكية بالجرائم الموجّهة إليها بحق الأطفال، وانتهاكات جماعة “كو كلوكس كلان” العنصرية، وإساءة معاملة السجناء العراقيين من قِبَل الجنود الأميركيين.
يرى الإسلام أن كرامة الإنسان مقدسة، ويُحرّم كل أشكال الإساءة، بما في ذلك استغلال النساء والأطفال. كما يُعلّم الإسلام مبادئ ضبط النفس وتطهير القلب من الشهوات غير المشروعة. وقد شدد النبي محمد “صلى الله عليه وآله وسلم” على أهمية معاملة النساء بالحب والاحترام، وأكد أن الجنة مشروطة بحسن معاملة الأم.
ويرى المراقبون أن من الضروري التفريق بين مرتكبي الجرائم وبين الدين أو العرق، فتشويه سمعة مجموعة بأكملها بسبب أفعال قلة يعد ظُلماً لا يقل خطورة عن الجريمة نفسها، وإن استغلال هذه المآسي لأهداف سياسية أو أيديولوجية يزيد من تعقيد المشكلة ويعيق إيجاد الحلول الحقيقية.