كتاب حديث يؤكد: التشيع في كشمير كان صراعاً دامياً بين التهميش والتكفير!
في خضم مساعي بحث الأزمات الطائفية التي مزّقت المجتمع المسلم في إقليم جامو وكشمير لقرون طويلة، تم مؤخراً نشر كتاب “التشيع في كشمير: تاريخ التنافس والمصالحة السنية-الشيعية” لمؤلفه “حكيم سمير حمداني” والذي يتناول استقصاءً عميقاً ومثيراً للجدل حول جذور هذا التنافس وتأثيراته الممتدة عبر الزمن.
تبدأ الرواية التاريخية للكتاب بتفكيك تقاليد “الدبان” التكفيرية التي شكّلت التصورات الشعبية في كشمير ضد أتباع آل البيت الأطهار “عليهم السلام”، والتي لم تتخل عن أهداف تعزيز الذاكرة الجمعية وحسب، وإنما أسهمت في تهميش الحقائق التاريخية، حيث يصف الكاتب إقليم كشمير بأنه مجتمع واجه “ضياعاً تاريخياً”، حيث أدت الكوارث السياسية والاجتماعية والدينية إلى التمسك بروايات غير موثقة، ما عزز الاستقطاب الطائفي.
يتناول الفصل الأول للكتاب، بدايات الإسلام في كشمير، والتي تم استغلالها لاحقاً في الروايات الطائفية المعادية للمسلمين الشيعة، كما هو واضح في أعمال المؤرخ السني الصوفي “عزام ديدماري” خلال القرن الثامن عشر، حيث يدّعي “ديدماري” أن “الإسلام في كشمير كان مشروعاً سنياً خالصاً، وأن دخول الشيعة يمثل ما وصفه بـ (انحراف) عن الإيمان النقي” وفقاً لزعمه، في سرد عدائي أدى في أوقات لاحقة إلى “تغريب” الشيعة وتجريدهم من هويتهم الإسلامية، بل ووصفهم بـ “الرافضة” و”الخونة”.
أما الفصل الثاني فيُظهر كيف تعاملت الدولة الأفغانية الحاكمة للإقليم آنذاك، بوحشية بالغة مع الشيعة، مما دفعهم إلى الهجرة أو ممارسة شعائرهم في سرية تامة داخل “طاخانات” مظلمة بعيداً عن أعين الدولة والمجتمع السني المعادي، حيث تكررت أعمال الشغب واستهداف الرموز الشيعية البارزة، ما أدى إلى طمس شبه كامل للوجود الشيعي العلني في كشمير.
وفي الفصلين الرابع والخامس، يسلط “حمداني” الضوء على تحديات التمثيل السياسي والاجتماعي للشيعة، فعلى مدى قرون، ظل المجتمع الشيعي مهمشاً سياسياً واجتماعياً، ولم يتمكن من الوصول إلى مواقع السلطة حتى أواخر القرن العشرين، كما يشير الكتاب إلى أن هذا التهميش لم يكن نتيجة سياسات الدولة فقط، بل كان أيضاً نتيجة خوف مجتمعي عميق دفع بالشيعة إلى الانعزال في مناطق نائية مثل بحيرة “دال”، حيث تم الدفع نحو تعزيز عزلتهم ونزع الصفة الإنسانية عنهم.
وعلى الرغم من كل هذه الفصول المظلمة، ينهي الكاتب عمله التوثيقي هذا، برؤية متفائلة، داعياً إلى تجاوز الانقسامات الطائفية والعودة إلى جوهر التاريخ المشترك، مؤكداً إن كشمير إذا ما استطاعت مواجهة ماضيها بصراحة، قد تتمكن من تحقيق تعايش مستدام بين مختلف مكوناتها مستقبلاً.