رغم أن قانون حقوق الإنسان يحدد سن الثامنة عشرة كحد أدنى للانخراط في الأعمال الحربية، فإن تجنيد الأطفال في الصراع السوداني أصبح ظاهرة متزايدة، حيث أظهرت مقاطع فيديو العديد من الأطفال دون سن 18 عامًا وهم يقودون سيارات قتالية ويحملون الأسلحة. وقد تم توثيق مشاركة الأطفال في المعارك من خلال تقارير المرصد السوداني لحقوق الإنسان، التي أشارت إلى أن العديد من القتلى والأسرى في معركة المدرعات بالعاصمة الخرطوم كانوا أطفالًا.
التجنيد القسري للأطفال في السودان ليس جديدًا، إذ بدأ منذ سنوات طويلة مع ميلشيا “الجنجويد”، التي تحولت إلى قوات الدعم السريع بعد اندلاع الصراع. وأوضحت الصحفية صباح آدم أن الأطفال كانوا يجندون منذ فترة طويلة في مناطق دارفور النائية، حيث لا توجد سجلات ميلاد رسمية، مما يسهل على الأسر تقديم أعمار أكبر لأبنائها للتمكن من تجنيدهم. وأضافت أن العديد من الأسر تلجأ إلى تجنيد أبنائها بسبب الفقر المدقع في تلك المناطق، حيث كانت توفر الأسر دخلًا كبيرًا مقابل تجنيد الأطفال في القتال، سواء كانوا أحياء أو ميتين.
مع اندلاع الصراع في السودان، أصبح تجنيد الأطفال ظاهرة بارزة في صفوف قوات الدعم السريع، حيث ظهر العديد من الأطفال في الخرطوم وهم يقاتلون في صفوف القوات المسلحة. كما أكد ناشطون حقوقيون أن التجنيد لم يقتصر على الدعم السريع فحسب، بل شمل أيضًا الجيش السوداني، حيث تم فتح معسكرات لتجنيد الأطفال من سن 16 و17 عامًا، وهو ما يعكس انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والمحلية.
العديد من الأطفال المجندين يشاركون في معارك في مناطق نهر النيل والفاو والحلفايا، حيث قتل العديد منهم في المواجهات. في ظل هذه الانتهاكات، حذرت الأخصائية الاجتماعية ثريا إبراهيم الحاج من الآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة على الأطفال المجندين، مؤكدة أن هؤلاء الأطفال يواجهون خطر الموت، بالإضافة إلى تعرضهم لمشكلات نفسية خطيرة نتيجة لما يتعرضون له من عنف وتضارب في القيم المجتمعية حول الرجولة والشجاعة.
وفي سياق آخر، أكدت المحامية رحاب مبارك أن تجنيد الأطفال في الصراع السوداني يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الطفل، موضحة أن هذه الممارسات تهدد مستقبل الأطفال، الذين يشكلون أكثر من 49% من سكان البلاد. وأكدت على ضرورة تعزيز ثقافة حقوق الطفل من خلال التوعية القانونية والإعلامية، داعية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطفال من هذه الممارسات القاسية.
تجدر الإشارة إلى أن الأزمة في السودان لا تقتصر على تجنيد الأطفال فقط، بل تشمل أيضًا تداعيات إنسانية أخرى، حيث يواجه ملايين السودانيين أوضاعًا صعبة في ظل استمرار الصراع في البلاد.