آثار أفغانستان.. كنوز حضارية دمرتها ثلاثة عقود من الحروب
لطالما كانت أفغانستان نقطة التقاء بين حضارات الشرق والغرب، حاملة إرثًا ثقافيًا هائلًا يعكس تاريخًا طويلًا من التفاعلات الإنسانية التي تشمل حضارات إغريقية وفارسية وبوذية وإسلامية. لكن على مدار العقود الثلاثة الماضية، تعرضت هذه الكنوز التاريخية لدمار واسع النطاق جراء الحروب المستمرة والنزاعات المسلحة، التي ألقت بظلالها على البلاد، مما أدى إلى نهب وتخريب العديد من المواقع الأثرية الهامة.
أبرز مثال على هذا التدمير كان في عام 2001، عندما قامت حركة طالبان بتفجير تماثيل بوذا في باميان، التي تعود إلى القرن السادس الميلادي، في خطوة قوبلت بإدانة واسعة عالميًا. لكن هذا العمل لم يكن الوحيد، فقد امتدت يد التدمير إلى معالم أخرى في أفغانستان، بما في ذلك التماثيل والمنحوتات البوذية في وادي سوات، التي دُمرت أيضًا خلال فترة حكم طالبان.
منذ بداية السبعينيات، كانت أفغانستان تعد مقصدًا سياحيًا شهيرًا، حيث كانت تتمتع بشعبية كبيرة بين السائحين الأوروبيين عبر “مسار الهيبيز”، الذي كان يشهد تدفقًا كبيرًا للسياح من مختلف أنحاء العالم. لكن مع اندلاع الحروب في نهاية السبعينيات، توقفت السياحة بشكل كامل، وبدأت المواقع التاريخية في البلاد تتعرض للتخريب المتعمد.
فيما يخص المتحف الوطني الأفغاني في كابول، فقد تعرض لعدة عمليات نهب وسرقة لآلاف القطع الأثرية، بما في ذلك كنز “بكتريا” الشهير، الذي يعكس عظمة تاريخ المنطقة وثقافتها. ورغم محاولات استعادة بعض هذه القطع، إلا أن العديد منها لا يزال مفقودًا حتى اليوم.
أحد أكبر التحديات التي تواجه أفغانستان اليوم هو التهديد المستمر لمواقعها الأثرية بسبب الأنشطة التعدينية في بعض المناطق مثل ميس أيناك، حيث يتم استخراج النحاس من الأراضي التي تحتوي على آثار بوذية قديمة. هذه الأنشطة تشكل خطرًا كبيرًا على المواقع الأثرية، مما يثير مخاوف من مزيد من الدمار.
رغم الظروف الصعبة التي تواجهها أفغانستان، تظل هناك جهود دولية مستمرة لحماية هذا التراث الثقافي المهدد. مشاريع منظمة اليونسكو للحفاظ على المواقع الأثرية مثل “منارة جام” والآثار الإسلامية في هرات تمثل إحدى هذه الجهود، بالإضافة إلى دعم العلماء والمنظمات غير الحكومية في استعادة القطع الأثرية المسروقة.
وفي ظل حكم طالبان الذي بدأ مجددًا في عام 2021، تزداد المخاوف من استمرار تدمير التراث الثقافي، خاصة مع استهداف الأضرحة الإسلامية والآثار الصوفية التي تعد جزءًا من الهوية الثقافية للدولة. ومع غياب الرعاية الكافية من السلطات الحالية، يبقى التراث الثقافي الأفغاني في خطر مستمر، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل هذه الكنوز الحضارية.