الجماعات المسلحة في سوريا بين الادعاء بالشرعية واحتجاز العائلات الشيعية: محاولات تحسين الصورة دولياً أم تكتيك إعلامي؟
تشهد المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، بقيادة هيئة “تحرير الشام” (المعروفة سابقًا بـ”جبهة النصرة”)، تحركات تهدف إلى تعزيز شرعيتها الدولية، وسط تزايد التساؤلات حول نواياها الحقيقية تجاه العائلات الشيعية والمناطق ذات الغالبية الشيعية التي باتت عالقة في خضم هذا الصراع.
عندما اجتاحت الجماعات المسلحة محافظة حلب، اختارت بعناية مناطق استهدافها، مستبعدة مدينتي نبل والزهراء ذات الأغلبية الشيعية. هذا التحرك أثار شكوكاً لدى المراقبين، حيث اعتبر خطوة تهدف لتجنب إثارة الرأي العام العالمي ضدها. دخول هذه المناطق بشكل مباشر كان سيؤكد الطابع الطائفي لعملياتها، ما قد يُعرضها لتصنيف دولي صارم كجماعات إرهابية.
ورغم التصريحات المكتوبة التي تدعي “إعطاء الأمان” لسكان نبل والزهراء، إلا أن الواقع يشير إلى قصص معاناة إنسانية قاسية. فالعديد من العائلات الشيعية التي احتُجزت من قبل المسلحين لا تزال مجهولة المصير، في حين يتم ترويج أخبار عن إعادة البعض إلى مناطقهم الأصلية، وهي ادعاءات يصفها سكان تلك المناطق بـ”الكاذبة”. إذ تشير تقارير إلى أن تلك العائلات نُقلت إلى شمال منطقة السفيرة، وتحديداً إلى مسجد الجنيد، في ظروف لا ترقى لمستوى “الأمان” المزعوم.
تحاول الجماعات المسلحة الترويج لصورة جديدة تُظهرها كتنظيم يسعى لتحقيق الاستقرار وتقديم المساعدات الإنسانية، مستغلة هذه الادعاءات لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي. ويرى مراقبون أن هذه الخطوات ليست سوى تكتيكات إعلامية، تسعى من خلالها إلى رفع رصيدها لدى المنظمات الإنسانية وتحقيق مكاسب سياسية على الصعيد الدولي.
بل إن قادة “تحرير الشام”، وعلى رأسهم أبو محمد الجولاني، بدأوا باتخاذ خطوات أكثر جرأة في هذا الاتجاه. فقد ظهرت أنباء عن نوايا لحل التنظيم اسميًا، وهو ما اعتبره خبراء محاولة للالتفاف على التصنيف الدولي كجماعة إرهابية، من خلال الإيحاء بأن التنظيم لم يعد قائماً بشكل رسمي.
في ظل هذه الظروف، يطالب المراقبون والمنظمات الحقوقية الجماعات المسلحة بإثبات حسن نواياها عبر الإفراج الفوري عن العائلات الشيعية المحتجزة. ويرى هؤلاء أن هذه الخطوة تمثل الاختبار الحقيقي لادعاءات المسلحين بأنهم ليسوا جماعة طائفية أو إرهابية.
ويشير متابعون إلى أن استمرار احتجاز هذه العائلات واستغلالها كأداة ضغط إعلامي وسياسي يعكس عدم جدية تلك الجماعات في تحقيق أي تسوية سلمية. وبحسب سكان محليين، فإن ادعاء الجماعات المسلحة بأن المناطق آمنة للعودة ليس إلا خدعة إعلامية، تهدف إلى إلقاء اللوم على الحكومة السورية في منع عودة النازحين.
ويبقى التساؤل الرئيسي مطروحاً: هل تسعى هذه الجماعات فعلاً إلى التحول نحو الاعتدال وكسب الشرعية الدولية، أم أن ما يحدث ليس إلا جزءاً من لعبة سياسية أكبر؟ وبينما يستمر هذا المشهد، تبقى العائلات المحتجزة شاهداً على حقيقة الوضع الإنساني المزري الذي تعيشه تلك المناطق، وورقة ضغط تُستخدم في صراعات سياسية لا تهتم بمعاناة الأبرياء.
إن المأساة المستمرة للعائلات الشيعية المحتجزة تعكس البعد الإنساني الأليم لهذا الصراع، وهو ما يستدعي تحركاً دولياً جاداً للضغط على الأطراف المتورطة لوقف استخدام المدنيين كأداة لتحقيق مكاسب سياسية.