وسط الحرب الأهلية الدامية في السودان، تواجه أهرامات مروي القديمة، أحد أعظم الكنوز الأثرية في العالم، تهديداً وجودياً جراء النهب، التخريب، والصراع المسلح.
تقع هذه الأهرامات، التي يعود تاريخها إلى حوالي 2500 عام، في قلب مملكة كوش القديمة، شمال العاصمة الخرطوم، وتضم أكثر من 200 هرم، متجاوزة عدد الأهرامات المصرية.
ومع اندلاع الصراع في أبريل 2023، خلت المواقع الأثرية من زوارها وعلمائها، ولم يبق في مروي سوى فوزية خالد، امرأة في الستينيات من عمرها، التي كرّست نفسها لحماية هذه الكنوز. بقلق عميق، تصف خالد الوضع بقولها: “لم يأت أحد هنا منذ عام. كل شيء ميت الآن. أخشى أن يدمروا قروناً من التاريخ”.
تعد التقارير عن عمليات النهب في المتاحف والمواقع الأثرية شائعة، مع اتهام قوات الدعم السريع، إحدى الأطراف الرئيسية في الصراع، بسرقة مقتنيات أثرية لا تُقدّر بثمن. وشملت المسروقات قطعاً من العصور الحجرية والكوشية والمسيحية والإسلامية، ووفقاً لإخلاص أحمد، رئيسة إدارة المتاحف في هيئة الآثار الوطنية، فإن هذه القطع نُقلت عبر الحدود، ما يعمق القلق حول مصيرها.
وفي سبتمبر 2024، أطلقت منظمة اليونسكو تحذيراً شديد اللهجة، واصفة الوضع بأنه تهديد “غير مسبوق” للتراث الثقافي السوداني. كما دعت إلى تجنب الاتجار بأي ممتلكات ثقافية سودانية مسروقة، مشيرة إلى أن فقدان هذه الآثار يشكل ضربة للهوية الوطنية السودانية.
ولم تسلم مواقع أخرى ذات قيمة تاريخية، مثل معبد آمون في جبل البركل والنقوش في معبد المصورات، من تهديد الحرب. ووفقاً لعالمة الآثار أماني غاشي، فإن كل قطعة تُسرق تمثل خسارة فادحة للتراث الثقافي للسودان.
إن تدمير تراث السودان لا يمثل فقط خسارة مادية، بل يمس وجدان الشعب السوداني وهويته التاريخية. تقول المؤرخة زينب بدوي: “اليوم يرتبط السودان بالصراع، لكن في الماضي كان مركزاً لحضارة مذهلة”.
بينما يستمر الصراع، يبقى مصير أهرامات مروي وبقية المواقع الأثرية معلقاً، في مشهد يذكّر بمآسي مشابهة في مناطق صراع أخرى. التدمير والنهب المتزايد لهذا التراث الثمين هو تذكير مؤلم بتكاليف الحرب على التاريخ والإنسانية.