حرب على تاريخ لبنان: الغارات الإسرائـ،ـيلية تهدد تراث بيروت وبعلبك وصور والبقاع
بينما يُعدّ التراث الثقافي إرثًا حضاريًا للإنسانية جمعاء، تتواصل الغارات الإسرائـ،ـيلية التي تطال مواقع أثرية في لبنان لتجسد أحد أعنف التهديدات للتراث الحضاري. هذه الاعتداءات، التي طالت مدنًا كبرى كـبيروت وبعلبك وصور والبقاع، تشكّل انتهاكًا صريحًا لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح لعام 1954. إذ شددت الاتفاقية على ضرورة حماية التراث الثقافي العالمي، باعتبار أي ضرر يلحق بهذه المواقع خسارة للتراث الإنساني بأسره.
مدينة بعلبك، التي تعود لآلاف السنين، وتعتبر من أكبر وأهم المعالم الأثرية الرومانية، تعرضت لضربات جوية مباشرة أدت إلى أضرار كبيرة في محيط معابدها التاريخية. وقامت الغارات بتدمير مواقع تراثية، منها مبانٍ عثمانية قريبة من معبد باخوس الشهير. وأكد رئيس المجلس البلدي للمدينة، مصطفى الشل، أن الأضرار طالت أجزاءً من القلعة وسورًا خارجيًا، كما أُصيبت “قبة دورس” الأثرية بأضرار بالغة.
ويعرب المهندس خالد الرفاعي، رئيس قسم الترميم بوزارة الثقافة، عن مخاوفه من استمرار القصف، إذ قد يؤدي إلى انهيارات في أجزاء أثرية تحتاج إلى ترميم. وتعرضت كذلك كنائس مارونية وأرثوذكسية في بعلبك، مما أثار استنكارًا واسعًا لتضرر المعالم الدينية والثقافية التي تُعتبر من رموز المنطقة.
في صور، إحدى أقدم المدن الساحلية في العالم والتي تُلقب بـ”ملكة البحار”، تواصل الغارات تهديد معالمها التاريخية. المدينة، التي يعود تأسيسها إلى حوالي 2750 قبل الميلاد وتعتبر جزءًا من التراث العالمي لليونسكو، استُهدفت مجددًا بغارات إسرائـ،ـيلية طالت أحياء متعددة بعد تهديدات من الجيش الإسرائـ،ـيلي. هذه الغارات تعمق جراح المدينة، التي لعبت دورًا حضاريًا محوريًا بين الشرق والغرب عبر التاريخ.
الضربات الإسرائـ،ـيلية لا تطال فقط المعالم الأثرية، بل تهدد الاقتصاد المحلي أيضًا، إذ تُعد السياحة الثقافية موردًا اقتصاديًا رئيسيًا للعديد من المناطق اللبنانية. كما يؤكد مسؤولون محليون أن استمرار القصف يهدد بحرمان لبنان من جزء أساسي من إرثه الثقافي.
ويعبر محمد شرف، المتخصص في علم الآثار، عن الوضع بقوله: “نحن أمام مشهد مروع، فالضربات طالت المنطقة الأثرية التي نخشى على مصيرها.”
ويمثل القصف الإسرائـ،ـيلي لمواقع التراث اللبناني تحديًا كبيرًا للحفاظ على الهوية الحضارية اللبنانية، ويستدعي اهتمام المجتمع الدولي والمنظمات الثقافية بضرورة توفير حماية فورية للتراث الثقافي الذي يشكل جزءًا من الهوية العالمية، مذكّرًا بأهمية التضامن العالمي من أجل وقف التدمير المتواصل لتراث حضاري يخص الإنسانية جمعاء.