مصحف “الحاضنة”: ابتكار في الكتابة بخط كوفي جديد يميز تراث المخطوطات الإسلامية
يعتبر “مصحف الحاضنة” تحفة فريدة في عالم المصاحف، حيث كُتب بخط كوفي جديد مبتكر لم يُعرف له نظير من قبل، مما يجعله يتميز بملامح فنية دقيقة تتجلى في تنسيق السطور وخلوه من الإعجام، مع تشكيل دقيق وفق طريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي.
هذا المصحف، الذي يُعتبر من المصاحف الكبيرة الحجم، كُتب على الرق، وكان نتيجة لجهود “علي بن أحمد الورّاق القيرواني”، وذلك بطلب من فاطمة المعروفة بلقب “أم مَلال”، عمّة الحاكم الصنهاجي المعز بن باديس ، الذي بويع سنة 406، ليصبح رابع أمراء بني زيري في الدولة الصنهاجية بعد انتقال الدولة العبيدية إلى مصر.
أشرفت الكاتبة “دُرّة” على مراجعة خط المصحف، التي كانت معروفة بحسن الكتابة في بلاط المعز. في شهر رمضان من سنة 410، وُضع المصحف في جامع عقبة بن نافع بالقيروان، داخل صندوق خشبي كبير لحمايته. ومع ذلك، لم يسلم المصحف من التخريب، خاصة خلال زحف بني هلال على إفريقيا في سنة 440، حيث تلاشت أوراقه ولم يتبقَ منها سوى نحو 1300 ورقة، والتي أُودعت لاحقًا في المكتبة الوطنية بتونس العاصمة.
وبعد استقلال تونس سنة 1956، نُقل المصحف إلى “رقادة” قرب القيروان لترميمه ورعايته في مخبر خاص، حيث تم إنقاذ العديد من المخطوطات القيمة والكتب النادرة من الإهمال والتلف.
الخط الكوفي المستخدم في المصحف يُعرف بنوعه الخاص، الذي أشار إليه الربيز إبراهيم شبّوح باسم “الكوفي الريحاني”. يتميز الخط بسمات فريدة، مثل الغلظة والرقة في اتجاهات مختلفة، ورسم الحروف بطريقة متميزة، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من التراث الإسلامي الغني.