صدر عن الكاتب والإعلامي البريطاني الشهير، “بارنبي روجرسون”، كتاباً استكشف من خلاله ما وصفه بـ “الانقسام الإسلامي المستمر منذ 1400 عام” والمسؤول عن العديد من الصراعات الإقليمية والحروب بالوكالة في يومنا الحاضر.
تناولت الفصول الأولى من الكتاب الذي حمل عنوان “البيت المنقسم: السنة والشيعة وتكوين الشرق الأوسط”، أصول هذا الانقسام “اللاهوتي” بحسب وصفه، والذي يقال إنه كان له الدور في تشكيل الإمبراطوريات المتعاقبة في عدة أجزاء من العالم وبتأثير وزخم مستمرين.
قدّم “روجرسون” في الفصول اللاحقة، لمحة عامة عن الصراعات الناشئة على الخلافة بعد استشهاد النبي الأكرم محمد “صلى الله عليه وآله”، مشيراً إلى أن هذه الصراعات قد أدّت إلى عواقب دينية وسياسية طويلة الأمد، حيث يلاحظ أنه بمرور الوقت، تطورت هذه القضايا إلى انقسامات عقائدية مثيرة للجدال، وصراعات على السلطة، ولحظات حاسمة ضرورية لفهم الشرق الأوسط المعاصر.
وكانت الفكرة الرئيسية للمؤلف، هي أن الانقسام الديني الذي نشأ بعد هذه الفترة، قد شكّل الصراعات السياسية، والطموحات الأسرية، وبناء الإمبراطورية، وخاصة خلال الفترات الأموية والعباسية والصفوية والفاطمية والعثمانية، مبيّناً أن الولاءات الطائفية استُغِلَّت لتعزيز السلطة وتعميق الانقسامات، مستشهداً بعدد من الأمثلة الرئيسية على هذا الإطار، ومنها التنافس الحاصل في القرن السادس عشر بين الإمبراطورية الصفوية كممثلة للشيعة، وبين الإمبراطورية العثمانية السُنّية ولعدة قرون لاحقة.
وعلى خلاف هذه الفكرة، يتعمق الكتاب أيضاً في كيفية استغلال الجهات الفاعلة غير المسلمة خلال الفترة الاستعمارية، لهذه الانقسامات خدمةً لأغراضها الخاصة، كما ويسلط الضوء على كيفية تأثير السياسات الاستعمارية البريطانية والفرنسية في الشرق الأوسط، على تفاقم التوترات الدينية من خلال اتباعها استراتيجية “فرَّق تسد”.
ومن بين الأمثلة البارزة في هذا الإطار خلال العصر الحديث، هو لجوء الاحتلال البريطاني الى التلاعب بالانقسامات الطائفية في العراق في أوائل القرن العشرين، مما مهَّد الطريق للصراعات اللاحقة في أوائل القرن الحادي والعشرين، إلى زيادة الطائفية بين أتباع المذهبين الرئيسيين في الإسلام.
ومن المحزن – وفقاً للكاتب – أن هذه الطائفية، قد أسهمت في تنامي العنف المسلح في أماكن عدة مثل باكستان والعراق وسوريا واليمن، مع ملاحظة أنه وعلى الرغم من الجهود العديدة التي يبذلها علماء السنة والشيعة للحد من التوترات، فإن انعدام الثقة لا يزال قائماً إلى حدٍ كبير.
وفي تغطيته لأكثر من ألف عام من التاريخ عبر مناطق متعددة، يحاول “روجرسون” تلخيص صراعات القوة المعقدة التي تحركها الطموحات السياسية والتنافس على النفوذ، لكنه غالباً ما يتجاهل التعقيدات التي لا تنجم فقط عن الاختلافات الدينية، حيث يزعم، وربما بشكل مربك، أن الصراعات في الشرق الأوسط لا تتجذر في الانقسام الشيعي – السني، وإنما في المنافسة الطاحنة بين الإمبراطوريات الإسلامية.
ويشير المؤلف الى أنه “حتى لو قررت منطقة الشرق الأوسط بأكملها ذات ليلة، التخلي عن كل معتقداتها الدينية وإغلاق حقول النفط، فسيظل التوتر قائماً في صباح اليوم التالي بسبب التنافسات القديمة بين الأتراك والعرب والإيرانيين”، في إشارةً الى تركيا والسعودية وإيران في العصر الحديث.