تمكّن فريق علمي أخيرًا من تحديد العمر الحقيقي لهرم “خوفو” بمنطقة أهرامات الجيزة، بالاعتماد على أدلة جيولوجية ورسوبيات معدنية غير قابلة للتشكيك، تؤكد أن بناء الهرم الأكبر تم في حوالي 2500 قبل الميلاد.
الدراسة الجديدة، التي نُشرت في دورية “جيولوجي”، جاءت بقيادة الدكتور جمال العشيبي، الباحث في مجال الآثار بجامعة إكس-مرسيليا بفرنسا. وأشار العشيبي إلى أن الفريق اكتشف في الرواسب الأرضية المحيطة بميناء خوفو، الذي استخدم في العصر الفرعوني لنقل الأحجار المستخدمة في بناء الهرم، مستويات مرتفعة للغاية من التلوث المعدني بالنحاس والزرنيخ، حيث يتزامن هذا التلوث مع الفترة الزمنية المعروفة لبناء الهرم الأكبر، مما يثبت النشاط المكثف لصناعة الأدوات النحاسية المستخدمة في تقطيع الحجارة خلال ذلك العصر.
وأوضح العشيبي أن المصريين القدماء كانوا يستخدمون النحاس المخلوط بالزرنيخ لإنتاج أدوات أكثر متانة، مثل الشفرات والأزاميل والمثاقب، التي تم استخدامها في العمل على مواد مثل الحجر الجيري والخشب والمنسوجات.
وتكشف الدراسة أيضًا عن بداية النشاط المعدني في منطقة ميناء خوفو، والذي يعود إلى حوالي 3265 قبل الميلاد، أي ما يقارب 765 عامًا قبل بناء الهرم. وبهذا الاكتشاف، أشار العشيبي إلى أن هذا التلوث يعد أقدم تلوث معدني إقليمي مسجل في العالم، وهو دليل إضافي على النشاط البشري المكثف في المنطقة قبل بناء الهرم الأكبر.
من جانبها، أكدت الباحثة المشاركة في الدراسة هدير شعيشع، الأستاذ المساعد في قسم التاريخ الطبيعي بجامعة بيرغن بالنرويج، أن هذه الأدلة لا تعزز فقط التاريخ المعروف لبناء الأهرامات، بل تقدم أيضًا نظرة أعمق حول كيفية تكيف المصريين القدماء مع التغيرات المناخية والتحديات البيئية، مشيرةً إلى أن المصريين نقلوا أنشطتهم المعدنية قرب نهر النيل بعدما أصبح المصدر الرئيسي للحياة إثر انتهاء عصر الصحراء الخضراء وتراجع الأمطار.
وفي هذا السياق، تضيف الدراسة بعدًا إضافيًا يتعلق بتأثير التغيرات المناخية على الحضارة المصرية القديمة، حيث تسببت هذه التغيرات في انحسار نهر النيل بعد بناء الهرم بنحو 300 عام، مما أثر على أنشطة النقل والتجارة في ميناء خوفو. ومع ذلك، استمرت الأنشطة الرعوية والتعدينية في المنطقة حتى حوالي 1000 قبل الميلاد.
