رايات العشق تخفق مع الخطوات.. المؤمنون يشقون الطريق إلى سامراء لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
بقلوبٍ مطمئنة وخطواتٍ عاشقة، وراياتٍ خفّاقة تعلو في سماء العزّ والإيمان، يواصل المؤمنون من مختلف المحافظات العراقية مسيرتهم نحو سامراء المقدسة لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في الثامن من شهر ربيع الأول. تلك القلوب المليئة بالولاء والعشق لأهل البيت (عليهم السلام) تنبض بالوفاء، فتنطلق متجاوزةً المسافات والعوائق، لتكون شاهدةً على حبٍ يتجدّد كل عام مع هذه المناسبة الأليمة.
تتزين طرقات سامراء بجموع الزائرين الذين تدفعهم مشاعر الحزن والإخلاص للإمام المظلوم. من البصرة وبغداد، ومن الناصرية وكربلاء، ومن كل المدن والقرى، يحتشد الآلاف حاملين رايات الولاء التي ترفرف في الهواء، مرددين الهتافات والصلوات، ومجسدين صورةً رائعةً للتآخي والولاء لأهل البيت (عليهم السلام). إنها رحلة روحية عميقة، يتحد فيها الشوق والدموع في مسيرة تتخطى الزمان والمكان لتصل إلى حضرة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
العتبة العسكرية المقدسة ترتدي ثوب الحداد، وتتوشح بالسواد لاستقبال هذه الجموع الغفيرة. تُرفع الأعلام السوداء في أرجاء الحرم المطهّر، وتصدح أصوات العزاء في المجالس والمواكب الحسينية التي تنتشر على طول الطريق المؤدي إلى المرقد الطاهر. تُقام المجالس وتُتلى القصائد في رثاء الإمام العسكري (عليه السلام)، فيما يتسابق المؤمنون لتقديم الخدمات من طعام وشراب للزائرين، في صورة تعكس أسمى معاني التضامن والإخاء.
ولا تقتصر أجواء الحزن على مدينة سامراء وحدها، بل تشارك فيها العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الأخرى، حيث تُرفع رايات العزاء، وتُقام الفعاليات العزائية تزامناً مع إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). هذا الامتداد الروحي يؤكد عمق الارتباط الذي يجمع أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وتعلقهم بأئمتهم الأطهار.
ويُتوقع أن يشهد هذا العام زخماً غير مسبوق من الزائرين، في ظل الدعوات المستمرة من المرجعية الدينية الشريفة لإحياء هذه الذكرى العظيمة. وتسعى الجهات المعنية، وعلى رأسها العتبة العسكرية المقدسة، إلى توفير أفضل الخدمات والتسهيلات لضمان سلاسة الزيارة وأداء مراسم العزاء بأمان وراحة، متخذةً كافة الإجراءات التنظيمية والأمنية لإنجاح هذا الحدث الديني الكبير.
المؤمنون لا يثنيهم بُعد المسافات ولا تقلبات الطقس، فهم يحيون ذكرى إمامٍ مظلومٍ جسّد أسمى معاني الصبر والرضا والتضحية في سبيل الله. يأتون ليجددوا عهدهم وولاءهم، وليعبروا عن حبهم ومواساتهم للإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بذكرى استشهاد والده (عليه السلام). إنها أيامٌ عسكرية تفيض بالألم والدموع، وتُذكّر الأجيال بتضحيات أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، لترسخ في الذاكرة الإسلامية معاني الصبر والثبات على الحق.