موقع الإمام الشيرازي
في العقد الأخير، أصبح الأربعين الحسيني هو الحدث المليوني العالمي الديني الأكبر حجماً والأطول وقتاً والأكثر جهداً، وإنه وفق الحقائق والأرقام حدث سنوي يكبر حجماً يوماً بعد يوم ويزداد علوّاً وحضوراً، وهذا يتماهى مع ما جاء في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): “وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلا علوّاً” (بحار الأنوار. العلامة المجلسي، ج45،ص180). وقد كشفت إحصاءات الزيارة الأربعينية أن أعداد الزائرين لهذا العام أكبر من السنة السابقة؛ سواء في العراق أو في بلدان أخرى، ومنها أوروبا وأمريكا.
هذا الحضور الإيماني المليوني المدهش بحد ذاته هو نجاح كبير؛ وكبير جداً، لكنه غير مكتمل!!
فالمطلوب أفضل وأكثر!!
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، في الزيارة الأربعينية للعام 1438هـ، كان قد أصدر بياناً قال، في جانب منه، أن “زوّار الإمام الحسين عليه السلام، في كل المناسبات وخاصّة في الزيارة الأربعينية المقدّسة، هم في قمّة القدس والشموخ عند الله تعالى، وعند رسول الله، وعند العترة الطاهرة عليه وعليهم السلام .. فالأحرى والأحرى أن تتكاتف الجهود من الجميع، حكومات وشعوب، في تأمين كل وسائل الراحة لهم”.
وأكد (دام ظله) أن “الشعب العراقي الكريم، في هذا العصر، ضرب أعلى المثل والقيم النبيلة في التضحية والفداء، من أجل تأمين حاجات الزوّار الكرام، بكل ما أمكنهم من طاقات، وباسترخاص كل شيء، حتى ببيع ممتلكاتهم ودورهم ومحلاّتهم وسياراتهم، لتوفير حاجات الزوّار، فجزاهم الله تعالى خير الجزاء.”
لكن:
الزيارة الأربعينية المليونية العالمية، بتفاصيلها المتعددة ومجالاتها الواسعة، مازالت تحتاج إلى تخطيط استراتيجي لإنجاز الزيارات القادمة بشكل أفضل، وذلك من خلال اتخاذ قرارات تُعنى بالحاضر ومشاكله، وتستشرف المستقبل ومتطلباته.
لذلك، ولغرض استيعاب معطيات ومتطلبات هذا الحدث الإيماني الضخم، لابد من عمل أكبر وأكبر، في إطار أكثر وأكثر تنظيماً، يشرف على إدارته نخبة من علماء دين، ومتخصصين في علوم المجتمع والإدارة والإعلام والطب والبيئة وهندسة المدن والسياحة، مع مشاركة خبراء في مجال الأمن.
لذلك لابد أولاً من:
التفكير الدقيق الذي يسبق التنفيذ الدقيق، ويُعنى هذا التفكير بسبل الارتقاء بواقع مدينة كربلاء والمحافظات حول كربلاء؛ وحتى أطراف العراق حتى المنافذ الحدودية، وصولاً الى تطوير كربلاء وسائر المدن لاستقبال ملايين الزوار بشكل لائق وكريم.
ثم..
تعبئة الموارد والطاقات والقوى البشرية وتوجيهها بشكل صحيح لإنجاز الأهداف المرسومة، وفي فترة زمنيّة محددة، لتحقيق أقصى منفعة وبأقل التكاليف.
هذا وذاك لا يكونان بخطوة واحدة بل بخطوات، ولا يكون برأي واحد، وإنما برأي علماء وخبراء، فإن زوار الأربعين ما زالوا يعانون من أمور كثيرة، من الممكن حلها، لو توفرت إرادة الإنجاز ومعها جودة التخطيط وحسن الأداء.
فليس من الصحيح، بل من المؤسف والمؤلم أن يعاني العراقيون – ومعهم الزوار – على امتداد مدن العراق من طرق ضيقة وقديمة ومتهرئة تسبب حوادث سيارات مفجعة خاصة في الطرق التي بات اسمها “طرق الموت” التي أكلت أرواح عشرات آلاف العراقيين وغيرهم.
وليس من الصحيح، بل من المؤسف والمؤلم أن الزائر الى العراق يواجه المنغصات بدءاً من المنافذ الحدودية والمطارات مروراً بمداخل المحافظات وصولاً الى داخل مدينة كربلاء والمدن الأخرى التي يمر بها الزوار المشاية.
وليس من الصحيح، بل من المؤسف أن العراق الذي منّ الله عليه بثروات هائلة (نفطية ومعدنية وغازية ومائية وزراعية وصناعية) والعراقيون – ومعهم الزوار – ما زالوا يعانون من انقطاع الكهرباء في درجات حرارة تتجاوز الخمسين درجة مئوية، في الوقت أن الساعات الإضافية من الكهرباء التي تمنح الى كربلاء والنجف في أيام الزيارات هي على حساب بقية محافظات العراق؛ وفي هذا أكثر من مشكلة! رغم ذلك، فإن الكهرباء في هذا العام كانت في وضع سيء، بل أكثر سوء من العام.
وليس من الصحيح، بل من المؤسف أن يعاني العراقيون – ومعهم الزوار – من خدمات متهالكة على مستوى الأمن والصحة والنقل والبلدية والجودة في جل مفاصل الحياة.
وليس من الصحيح، بل من المؤسف أن العراق ما زال يتصدر قوائم الفساد والفشل ورداءة العيش والفقر والبطالة والطلاق على مستوى العالم.
أيضاً في سياق متطلبات النجاح الأفضل والأكبر للزيارات الأربعينية القادمة أن العراق؛ الذي هو من أغنى بلاد العالم وقد شرّفه الله بأضرحة أنبياء وأئمة وعلماء وصالحين، أن يكون أنظف وأجمل وأرقى على كافة المستويات، فيكون أكثر أمناً واستقراراً، وأن يسود فيه القانون والنظام، وليس فيه مكان للسلاح المنفلت، كما ليس فيه موطئ قدم لكل مَنْ يرى نفسه فوق القانون.
وأيضاً في العراق – بلد الزيارة الأربعينية العالمية – يجب أن تُحترم الحريات، وتُصان الكرامات، وتُحفظ حقوق الجميع، ويشعر المواطن والزائر – على السواء – بالسلام والأمان والراحة، كما من المهم عدم التهاون مع مَنْ يستغل هذه الزيارة العالمية – على مستوى الأنظمة والأحزاب والتنظيمات والحركات وحتى المواكب – لأغراض خاصة لا تمت للزيارة بصلة كإثارة الكراهية والفُرقة والتباغض من خلال سلوكيات عبثية وطائشة، ولا شك في أن هذه السلوكيات تؤدي حتماً إلى العبث والإساءة الى الزيارة والزائرين، وتخدش صورة الوحدة والألفة والمحبة السائدة والغالبة بين جموع الزائرين؛ وهي الصورة الإيمانية والإنسانية والجمالية التي ترسخت في أذهان العالم، وهي الصورة الأكثر تأثيراً، رغم تعدد الصور القيمية والأخلاقية الفريدة التي تعبق بها الزيارة الأربعينية الإيمانية العالمية المليونية الكريمة والعظيمة والمباركة.