بسم الله الرحمن الرحيم
لم يغرب القمر من الليلة الثامنة و العشرين من شوال المكرم لسنة ألف و ثلاثمأة و تسعة و ثمانين هجرية ، إلا و قد بزغ نجم من نجوم الولاء و المحبة لآل محمد صلى الله عليه و آله. حيث ولد السيد علي بن السيد صادق الحسيني الشيرازي.
تغذت روحه و نفسه لأكثر من سنتين من أنوار جوار الإمام الحسين صلوات الله عليه ، ثم هاجر من مسقط رأسه كربلاء المقدسة إلى الكويت بصحبة والده المعظم ، و بقي في الكويت و أكمل فيها المراحل الإبتدائية في المدارس العامة ، ثم هاجر إلى قم المقدسة عش آل محمد صلى الله عليهم في العام 1401.
و بدأ منذ بدايات إستقراره في مدينة قم المقدسة بنهل مقدمات العلوم الدينية ، حتى أنهى بسرعة ما يصطلح عليه في الحوزات العلمية ب “مرحلة السطوح” و “مرحلة السطوح العالية” ، لينتقل بعده بالحضور في مرحلة ما قبل الإجتهاد ، و هي مرحلة الحضور في دروس “الخارج” ، حيث ارتشف من معين والده المعظم ، و عمه العظيم سلطان المؤلفين و فقيه العصر السيد محمد الشيرازي رضوان الله تعالى عليه. حتى بلغ مبلغ الإجتهاد في سن مبكرة.
كتب الكثير من المؤلفات في الفقه الإستدلالي ، و انتبه في ذلك إلى نقاط كثيرة لم ينتبه إليها الفقهاء السابقون رضوان الله تعالى عليهم.
فمن جالسه كان يعرف أنه يجالس بحرا من العلم في الفقه خصوصا ، و غير الفقهية أيضا.
فمثابرته و جده و إستمراريته في طلب العلوم الدينية كان بمكانة كبيرة قل ما يرى الإنسان أحدا بتلك المكانة.
زهده :
من رأى داره المتواضعة القديمة جدا و البسيطة جدا التي ينقصها الكثير من أبسط مستلزمات الحياة و التي عاش فيها منذ أكثر من ثلاثين عاما مستأجرا ، و من رأى حياته من قرب ، يعرف زهده ، و لذا كان يضرب به المثل في الزهد بين الكثير من الزاهدين.
كانت الشهرة من أشد ما يهرب منها طيلة حياته. فلم يرض أن تطبع من موسوعته الفقهية الواسعة و لا مجلدا واحدا ، رغم أن الذي كتبه في الفقه يربو على أربعين مجلدا على ما يبدو.
أما الحلم :
فكانت صفة نفسية متأصلة فيه يعرفه بها من عاش معه.
كما إنه إتصف بالكثير من محاسن الأخلاق و بدرجات عالية.
و بحق إنه عاش عيشة العظماء ، و نهل من منهل الأصفياء ، و بقي وفيا لسادته الأئمة النجباء.
لكن …
مع غروب الشمس ليلة السابع من صفر عام 1446 حيث ذكرى إستشهاد الإمام الحسن الزكي صلوات الله عليه ، غرب نجم آية الله السيد علي بن المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي.
و في اليوم التالي رغم شدة مصيبة الوالد بفقدان إبنه الأكبر إلا أنه لم يرض بتعطيل جلسته العلمية ، فحضر فيها كسائر الأيام. و يذكّرنا ذلك بما ينقل عن صاحب الجواهر من أنه لم ينفلت عن تأليف موسوعة الجواهر حتى في الليلة التي توفي فيها إبنه. و هذا شأن العظماء.
و أجّل والده المفجوع تشييع جثمان ولده في اليوم التالي لكي لا ينشغل أحد عن إقامة مجالس عزاء الإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة و السلام.
و في اليوم الثامن من شهر صفر صلى عليه والده و شيع في قم المقدسة ، و من بعده حمل إلى النجف الأشرف ليشيع هناك ، ثم نقل إلى أشرف بقاع الجنة كربلاء الحسين عليه الصلاة و السلام و شيع فيها بحضور الآلاف من المؤمنين و العلماء.
و عند غروب ليلة الجمعة الحادي عشر من شهر صفر 1446 دفن في حوزة سيد الشهداء عليه الصلاة و السلام العلمية التي تبعد أمتارا عن الحرم الحسيني المطهر في شارع القبلة.
فقد نال فيضا في جنان الحسين أعني كربلاء.
و قد نعاه الكثير ممن نعاه ، و أرخ سنة وفاته أحد الشعراء قائلا :
أضف “طلّقْ” لدنيا ثم أرّخ * “علي نال فيضا في الجنان” (139+1307=1446)
و في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه و آله {إن موت الفجأة تخفيف على المؤمن و راحة}.
فصلوات الله عليه يوم ولد ، و يوم إرتحل عن الدنيا ، و يوم يبعث حيا. و جعله الله تعالى ضيفا على سيد الشهداء عليه الصلاة و السلام ، و حشره معه ، و أسكنه بحبوحات جنانه.
و سلوتنا في هذه الدنيا بأبيه المرجع الكبير المعظم و آخرين من هذه العائلة العلمية الكريمة و غيرهم من علماء أتباع مذهب أهل البيت عليهم الصلاة و السلام.