أثار تطبيق “تيك توك”، المنصة الصينية الشهيرة لمشاركة الفيديوهات القصيرة، موجة من القلق والجدل في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يُنظر إليه على أنه تهديد خطير للأمن القومي. على الرغم من أن المحتوى المقدم عبر “تيك توك” يتراوح بين الرقصات والأغاني القصيرة، إلا أن هذا التطبيق أصبح محط اهتمام الحكومات الغربية بسبب مخاوف تتعلق بخصوصية البيانات وأمن المعلومات.
في ديسمبر 2019، قامت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بإصدار تعليمات لمسؤوليها وجنودها بحذف “تيك توك” من أجهزتهم المحمولة. وبعد فترة وجيزة، اتخذت شركات أمريكية كبرى، مثل “أمازون” والبنك الأمريكي “ويلز فارغو”، خطوات مماثلة لحماية أمنها المعلوماتي.
هذه المخاوف ليست محصورة بالولايات المتحدة فحسب؛ فقد شهدت العديد من الدول الأوروبية خطوات مماثلة، تعبيرًا عن قلقها من الاستخدام المحتمل للتطبيق كأداة تجسس لصالح الحكومة الصينية. تتجلى هذه المخاوف بشكل خاص في ضوء تقارير تشير إلى أن “تيك توك” يتيح للحكومة الصينية الوصول إلى بيانات المستخدمين، ما أثار اتهامات بأن التطبيق يعمل كأداة لجمع المعلومات لصالح الحزب الشيوعي الصيني.
في الساحة السياسية، تسبب “تيك توك” في انقسام حاد بين صنّاع القرار في واشنطن. في أغسطس 2022، وقعت مشادة كلامية بين المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض آنذاك، بيتر نافارو، ووزير الخزانة، ستيفن مينوشين، حول كيفية التعامل مع التطبيق. نافارو دعا إلى حظر فوري وصارم للتطبيق، بينما اقترح مينوشين أن يتم إجبار شركة “بايت دانس”، مالكة “تيك توك”، على بيع التطبيق لشركات أمريكية مثل “مايكروسوفت” أو “أوراكل”. هذا الخلاف يعكس مدى التوتر والخوف من هذا التطبيق الذي وصفه البعض بـ”أخطر تهديد صنعته الصين على الإطلاق”.
التطبيق الذي تم إطلاقه باسم “ميوزكلي” في البداية، استحوذت عليه شركة “بايت دانس” الصينية في 2017 وأعاد إطلاقه تحت اسم “تيك توك”. منذ ذلك الحين، حقق التطبيق نجاحًا هائلًا، حيث يستخدمه حاليًا أكثر من مليار شخص حول العالم، بما في ذلك حوالي 136 مليون مستخدم في الولايات المتحدة وحدها.
هذا الانتشار الواسع للتطبيق يمثل تحديًا غير مسبوق للهيمنة الأمريكية التقليدية على الإنترنت، والتي كانت تسيطر عليها شركات أمريكية عملاقة مثل “غوغل” و”أبل” و”فيسبوك”. هذا الاختراق الصيني لعالم الإنترنت يثير قلقًا كبيرًا بشأن التأثير المحتمل على وعي المستخدمين الأمريكيين والعالميين.
بسبب هذه المخاوف، أطلق أعضاء من الكونغرس الأمريكي، في أكتوبر 2017، دعوة للتحقيق في تأثير “تيك توك” على الأمن القومي، وصولاً إلى طلب السيناتور الجمهوري مارك روبيو مراجعة استحواذ “بايت دانس” على “ميوزكلي”.
الجدل حول “تيك توك” يعكس صراعًا أوسع بين الولايات المتحدة والصين في مجال التكنولوجيا والاتصالات. وبينما تسعى واشنطن لتحييد هذا التهديد المحتمل، ترفض بكين بيع التطبيق، معتبرة إياه جزءًا أساسيًا من قدرتها التكنولوجية.
يبقى السؤال مطروحًا حول كيفية تطور هذا الصراع، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستتمكن من إيجاد حل يرضي مخاوفها الأمنية، أو إذا كانت ستضطر لاتخاذ إجراءات أكثر تشددًا ضد التطبيق الصيني الشهير.