تحمل الأيام الأخيرة من شهر صفر الأحزان أحداثاً أليمة تقرح الجفون وتدمي القلوب، حيث يصادف اليوم الخميس 28 صفر ذكرى استشهاد سيد المرسلين النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله ويوم السبت 30 صفر ذكرى استشهاد الإمامين الحسن المجتبى وعلي بن موسى الرضا عليهما السلام.
وفاة خير البرية
في الثامن والعشرين من صفر الأحزان سنة إحدى عشرة للهجرة، رحل النبي المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله)، بعد أن أحكم دعائم دولته الإسلامية وبعد أن أتمّ تبليغ الرسالة بتنصيب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هادياً وإماماً للمسلمين على الرغم من حراجة الظروف وصعوبتها، ليكون النائب الأول لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حين غيابه عن مسرح الحياة بأمر من الله سبحانه وتعالى.
يكفي في الهداية إلى الصفات الخلقيّة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ما وصفه به الله عزَّ وجلَّ في كتابه بكلمات موجزة: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ويصفه الإمام علي (عليه السلام) في خُلُقه: «أكرم الناس عشرة، وألينهم عريكة، وأجودهم كفاً، من خالطه بمعرفة أحبّه، ومن رآه بديهة هابه». فمن عاشر النّبي (صلى الله عليه وآله) شعر بالكرم النبوي، ووجد أنّه ألين الناس طبيعة، فهو يلين لمن يعيش معه، ويبسط كفّه بالكرم والعطاء.
استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام)
استشهد الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في 28 صفر وهو ابن سبع وأربعين سنة، وأقام مع أبيه بعد وفاة جده بثلاثين سنة، وأقام بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) عشر سنين، واستشهد مسموماً على يد زوجته جُعدة بنت الأشعث الكندي بأمر من معاوية بن أبي سفيان.
قال الشيخ المفيد (قدس): “وضمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد، وأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السم”، ففعلت وسمّت الإمام الحسن (عليه السلام)، فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد، فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسم ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته، ويبكيه كل شيء حتى الطير في جو السماء والحيتان في جوف الماء، ولقد دفن في البقيع بالمدينة المنورة.
استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام)
يصادف يوم السبت 16 يوليو ذكرى استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام) أفضل الناس في زمانه وأعلمهم وأتقاهم وأزهدهم وأعبدهم وأكرمهم وأحلمهم وأحسنهم أخلاقاً. وكان عليه السلام يجلس في حرم النبي (صلى الله عليه وآله) في الروضة والعلماء في المسجد فإذا عصي أحد منهم عن مسألة أشاروا إليه بأجمهم وبعثوا إليه بالمسائل فيجيب عنها، وقد جمع له المأمون جماعة من الفقهاء في مجالس متعددة فيناظرهم ويغلبهم حتى أقرَّ علماء زمانه له بالفضل والعلم، وكان والده الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام يقول لبنيه وأهل بيته: «هذا عالم آل محمد».
وكان الإمام الرضا (عليه السلام) يدعو إلى التمسك بمكارم الأخلاق من خلال نشر أحاديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) التي ترسم للمسلمين المنهج السلوكي السليم، وأخيراً قام المأمون إلى التفكير بشكلٍ جدِّي بتصفية الإمام واغتياله، وتمّ له ذلك عن طريق دسِّ السم للإمام (عليه السلام).