المسلمون يستذكرون حادثة يوم المباهلة: يوم مشهود حقت فيه كلمةُ الله العليا
يستذكرُ الملايينُ من المسلمين اليومَ الرابعَ والعشرين من ذي الحجّة، حادثة المباهلة بين النبيّ محمد صلّى الله عليه وآله ونصارى نجران، وهو يومٌ تألّق نورُهُ بين الأيّام المُشِعّة في الرسالة المحمّديّة، وهو يومٌ مشهودٌ حقّت فيه كلمةُ الله العُليا وتمّت فيه الغَلَبةُ للإسلام.
وتشهد العتبات المقدسة والمراكز الدينية والمساجد والحسينيات في شتى بقاع العالم تنظيم الفعاليات الدينية والثقافية المختلفة لاحياء هذا الحدث العظيم وتسليط الضوء عليه.
ويقيم المحبّون والموالون للعترة الطاهرة، مراسيم وشعائر خاصة في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام، إحياءً ليوم المباهلة، وهي الواقعة التي حصلت بين الرسول الأكرم (صلی الله عليه وآله) ونصارى نجران، وهو اليوم الذي شهد فيه أيضاً حادثة التصدّق بالخاتم الشريف، من قبل الإمام علي (عليه السلام) وإعطائه للسائل المسكين أثناء الركوع في الصلاة.
وفي الرّوايات كما في تفسير القمّي عن الصَّادق عليه السلام، أنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حضَرَتْ صلاتُهُم، فأقبلوا يضربون النّاقوس وصلّوا، فقال أصحابُ الرّسول (صلّى الله عليه وآله): يا رسول الله، هذا في مسجدك؟! فقال: دعوهم.
فلمّا فرغوا، دنوا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالوا: إلامَ تدعو؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): إلى شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسولُ الله، وأنّ عيسى عبدٌ مخلوق، يأكلُ ويشربُ ويحدّث، قالوا: فمَنْ أبوه؟ فنزل الوحيُ على رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، فقال: قلْ لهم ما تقولون في آدم، أكان عبداً مخلوقاً يأكلُ ويشربُ ويحدّثُ وينكح؟ فسألهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، فقالوا: نعم، قال (صلّى الله عليه وآله): فمَنْ أبوه؟ فبُهِتوا، فأنزل الله تعالى شأنُه: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
ولمّا نزل الوحيُ على رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بقوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ…) إلى قوله تعالى: (فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)، وكان ذلك بأمرٍ من الله عزّ وجلّ، قال لهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله): فباهلوني.. فإنْ كنتُ صادقاً أُنْزِلت اللّعنةُ عليكم، وإنْ كنتُ كاذباً أُنزِلتْ عليَّ، فقالوا: أنصفت.
فتواعدوا للمباهلة وجعلوا بينهم يوماً وهو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجّة سنة 10هـ، فلمّا رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم السيّد والعاقب والأهتم: إنْ باهَلَنا بقومِه باهلناه، فإنّه ليس نبيّاً، وإنْ باهَلَنا بأهل بيتِه خاصّةً لم نباهلْه، فإنّه لا يقدّمُ أهلَ بيتِهِ إلّا وهو صادق. فلمّا أصبحوا، جاؤوا إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله) ومعه أميرُ المؤمنين(عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).
فقال وفدُ النّصارى: مَنْ هؤلاء؟ فقيل لهم: هذا ابنُ عمّه ووصيّه علي بن أبي طالب، وهذه ابنتُه فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين، فقالوا لرسول الله(صلّى الله عليه وآله): نعطيك الرّضا، فاعفِنا من المباهلة. فصالَحَهم رسولُ الله(صلّى الله عليه وآله) على الجزية، وهي أن يؤدّوا إليه في كلّ عامٍ ألفَيْ حُلّة، ألفٍ في صفر وألفٍ في رجب، وعلى عاريةٍ ثلاثين درعاً وعاريةٍ ثلاثين فرساً وثلاثين رمحاً، فانصرفوا..
ومن هذه الحادثة نقف على عظمة الرّسالة المحمّدية وهي تتجلّى في نفسٍ واحدة دون أنفسٍ كثيرة، وامرأةٍ واحدة من نساءٍ كثيرات، وطفلَيْن دون أطفالٍ كثيرين، هم جميعاً صفوةُ الصفوة ولبّ اللباب، الذين اختارهم الله لكرامته، وأعدّهم لهداية أمّته من بعد نبيّه(صلّى الله عليه وآله).