كتاب من الفرات إلى الأطلسي .. مستشرق فرنسي: كربلاء مكانٌ مبلّلٌ ببكاء الزوّار
تحدث البروفيسور جاك بييرك في الفصل الثامن من كتابه (من الفرات إلى الأطلسيّ) عن رحلته إلى النجف الأشرف وكربلاء المقدسة سنة 1954م.
ويقول بيريك في الكتاب، “تقع كربلاء على بعد 104 كيلو مترات إلى الجنوب الغربيّ من بغداد ويبلغ عدد نفوسها 60 ألف نسمة، كربلاء هي مركز لواء عدد نفوسه 217 ألف نسمة وتضمّ المنطقة نفسها مدناً شهيرة مثل النجف والكوفة. ولم تعد الكوفة سوى ضيعة صغيرة يبلغ عدد نفوسها 15 ألف نسمة. أمّا النجف ففيها رفاة الإمام علي -عليه السلام- مثلما تضمّ كربلاء رفاة أولاده الحسين والعبّاس -عليهما السلام-. أمّا كربلاء فشوارعها طويلة ومنها شارع طويل مطروق من السيارات يؤدّي إلى مركز كربلاء وما أن تتطلّع بنظرك حتّى تتعدّد رموز القبّة المذهّبة للإمام الحسين -عليه السلام- ترتفع إلى نحو 35 متراً وهي مرتبطة بقواعدها المربعة. هذه التشكيلة الرائعة من الدوائر المتداخلة بالزوايا الحادّة, وبمحاذاة هذا المبني المقدّس نشأت التجارة لتلبّي كلَّ ما يحتاجه الزوّار، فهنالك الآلاف من السلع المتعدّدة الألوان وأخرى مليئة بالفواكه، فكربلاء مدينة مثل باقي المدن العراقيّة فيها تجارة الجملة والمفرد”.
ويضيف، “وهنالك أسواق تبيع العطور والهدايا والبطاقات التي تصوّر العتبات المقدّسة والكتب والمجوهرات الغريبة والمدهشة والآيات القرآنيّة المكتوبة على قطع من الذهب والفضّة والنحاس”.
ويقول “إنّ كربلاء مكانٌ مبلّلٌ ببكاء الزوّار المسلمين وغني بالقرابين, إنّ الشيعة يقفون أمام إرث شهيد عظيم, إذ إنّ الظلم الذي وقع قد دفع إلى تراجيديا كونيّة, وهذه التراجيديا حسب ما يردده المسلمون داخله, بل ساكنة في الجوهر”.
ويوضح أن كربلاء لا تحمل ذكرى الدم فحسب بل تحمل أيضاً تكاتفاً دنيويًّا جماعيًّا يتجدد من سنة لأخرى, ويجد تعبيراته في المناسبات الدينيّة التي يتمّ إحياء ذكراها, وأبرزها عاشوراء في العاشر من محرّم. هنا تصل الحماسة إلى ذروتها القصوى من خلال اختلاط عجيب بين التشاؤم والأمل. وفي ذكرى الاحتفال في العشرين من صفر حيث مواكب الأنصار التي تضمّ آلاف المناصرين يتوجّهون نحو المرقد قادمين من شتّى أنحاء العالم الشيعيّ. إنّ عظم الحادثة وآلاف المؤمنين الأوفياء يترك لنا انطباعاً للأهميّة الكبرى لهذا المكان”.
ومن الجدير بالذكر ان جاك بييرك هو مستشرقٌ فرنسيّ له عشرات المؤلّفات عن العرب ولد عام 1910 م توفّي عام 1995م بعد أن أنهى حياته بترجمة معاني القرآن الكريم، درس حضارات الشرق وخاصة بلاد الرافدين، وقد ارتبط بعلاقات طيبة ووثيقة مع جهات عراقية تخصصية بحثية في مجال التاريخ والاثار، زار العراق عدة مرات، وفي زيارته الأخيرة سنة 1978م/ 1398هـ زار كربلاء وقد ابدى اعجابه بالمدينة المقدسة ونشاطها التجاري والعمراني.
وقد نشر انطباعاته عن رحلته إلى كربلاء في كتابه (من الفرات إلى الأطلسي) والتي تمت في فترة سابقة لم يحددها، ولكن على ما يبدو أنه زارها في العهد الملكي، حيث يقول: “كربلاء هي مركز لواء عدد نفوسه 217 ألف نسمة، منهم 80% من الحضر، وتقع على بعد 102كلم إلى الجنوب الغربي من بغداد.