المقالات

السادات في أفغانستان: هوية مستقلة في ظل التحديات العرقية

لطالما تمتعت جماعة السادات في أفغانستان بهوية متميزة ومستقلة، ضاربة الجذور في التاريخ والدين والثقافة. وبرغم أنها لا تُعد من المجموعات السكانية الكبرى، فإن مكانتها الرمزية والاجتماعية لطالما كانت حاضرة في الوجدان الأفغاني، حيث ارتبطت أسماؤها بالنسب الشريف والرمزية الدينية، كما كان لها دور ملموس في الحراك الفكري والسياسي للبلاد، خاصة في محافظات كابول، وبلخ، وهرات، ومزار شريف، والمناطق الوسطى.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر محاولات لتقليص أو تمييع هذه الهوية من خلال دمجها قسرًا ضمن مجموعات عرقية أخرى، وبشكل خاص ضمن الهزارة، ما أدى إلى بروز حساسيات جديدة داخل المجتمع الأفغاني. ومؤخرًا، انفجرت هذه القضية على منصات التواصل الاجتماعي بعد أن رفضت جمعية تابعة للهزارة في كندا إصدار شهادة إدارية لمواطن أفغاني من السادات لأنه “لا ينتمي إلى جماعة الهزارة العرقية”، وهو ما فُسر على نطاق واسع بأنه ممارسة للتمييز العرقي المرفوض.
أزمة هوية أم تمييز مستتر؟
هذا السلوك الذي بدر من الجمعية لم يكن حدثًا عابرًا، بل أعاد فتح ملف معقّد يرتبط بكيفية التعامل مع الأقليات العرقية داخل المجتمع الأفغاني وخارجه. ورغم أن السادات لطالما شاركوا إلى جانب الهزارة في النشاط السياسي والتنظيمي، فإن تسجيلهم في بعض الإحصاءات كمجموعة فرعية للهزارة يُعد إخلالًا بالحقائق التاريخية، وتجاوزًا لخصوصيتهم الثقافية والدينية.
إن الهوية ليست مجرّد تصنيف إداري، بل هي شعور بالانتماء، وتجسيد لتاريخ مشترك، ورؤية للذات ضمن نسيج اجتماعي أوسع. وبالتالي فإن محاولات محو أو إنكار هوية السادات المستقلة لا تُعد فقط انتهاكًا لحقوقهم، بل تهدد بتوسيع هوة الشكوك والتوترات داخل المجتمع، خاصة في لحظة تُعد فيها القضايا العرقية محط جدل داخلي واسع.
ضرورة التعدد والتفاهم
في مثل هذا السياق، يبدو واضحًا أن أفغانستان في حاجة إلى ثقافة مدنية جديدة تتأسس على القبول بالآخر واحترام التعدد. لا يحق لأي مؤسسة، سواء في الداخل أو في الشتات، أن تمنح أو تمنع الحقوق على أساس الانتماء العرقي. بل المطلوب هو بناء مجتمع تتعايش فيه كل المكونات على قاعدة التساوي في الكرامة والحقوق والواجبات.
احترام هوية السادات ليس منّة من أحد، بل هو ضرورة لضمان الاستقرار الاجتماعي، واستجابة طبيعية لتاريخ هذه الجماعة التي ساهمت في مختلف مراحل تطور البلاد. إن الاعتراف بالخصوصية لا يتعارض مع الوحدة الوطنية، بل يعززها ويثريها.
نحو مستقبل مشترك
لقد آن الأوان للشعب الأفغاني بكل مكوناته أن يتجاوز المنطق الإقصائي، ويتبنى خطابًا وطنيًا جامعًا، يحتضن التنوع بدلاً من أن يخشاه. فبناء مستقبل مشترك ومستدام لا يتحقق إلا من خلال الانفتاح على الآخر، والاعتراف بجميع الهويات دون تمييز أو تهميش.
في النهاية، إن قضية السادات في أفغانستان هي اختبار حقيقي لنضج المجتمع، وقدرته على تجاوز الانقسامات نحو عقد اجتماعي جديد، يُصغي إلى كل صوت، ويعترف بكل مكون، ويحمي الجميع تحت مظلة الوطن الواحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى