البصرة وكرامة الإنسان
شبكة النبأ: تتوالى المحن والأزمات على العراق لأسباب قد يجهلها البعض من بسطاء الشعب ولكنها معروفة لطيف واسع من العراقيين، ولعل جلّ هذه المحن تتمحور حول هدر كرامة الإنسان في هذا البلد، وما يجري اليوم في مدينة البصرة من احتجاجات شعبية على سوء أحوال المواطنين يمثل دليلا قاطعا على الاستخفاف بالناس والتنكّر لأبسط الحقوق الإنسانية، فالماء والكهرباء والمأكل والملبس وبقية الخدمات الأخرى تمثل أبسط الواجبات التي ينبغي أن تتكفل بها الحكومة إزاء الشعب، لسبب واضح أنها تحفظ الحد الأدنى من كرامة الإنسان.
شبكة النبأ: تتوالى المحن والأزمات على العراق لأسباب قد يجهلها البعض من بسطاء الشعب ولكنها معروفة لطيف واسع من العراقيين، ولعل جلّ هذه المحن تتمحور حول هدر كرامة الإنسان في هذا البلد، وما يجري اليوم في مدينة البصرة من احتجاجات شعبية على سوء أحوال المواطنين يمثل دليلا قاطعا على الاستخفاف بالناس والتنكّر لأبسط الحقوق الإنسانية، فالماء والكهرباء والمأكل والملبس وبقية الخدمات الأخرى تمثل أبسط الواجبات التي ينبغي أن تتكفل بها الحكومة إزاء الشعب، لسبب واضح أنها تحفظ الحد الأدنى من كرامة الإنسان.
فالذي لا يجد لقمة تسد رمقه، ولا يعثر على ماء صالح للشرب، ولا يجد فرصة عمل مناسبة يعالج من خلالها مشترياته البسيطة من مأكل ومشرب وسواه، مثل هذا الإنسان إما سيلجأ إلى التسوّل والاستجداء، أو ينحرف في منحدرات الرذيلة والجريمة بسبب حاجته للعيش، لذلك فإن أي خلل وتقصير في توفير هذه الحاجات الأساسية للمواطن من قبل الحكومة تعد عاملا مسرِّعا ومساعدا على فقدان الكرامة الإنسانية، ولعل المفارقة الخطيرة تكمن في الغنى الكبير لهذا البلد الذي تُستهدَف فيه كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته، فالعراق ومدينة البصرة على وجه التحديد تعد من أغنى مناطق العالم كله، لكن شعبها يستصرخ حكومته وقادته من شدة الظمأ.
من الغريب حقا أن يبقى هذا البلد الغني محاصرا في دوامة الأزمات، على الرغم من أن حكوماته المتعاقبة تعلن غير ذلك، لكن يبقى العراق في محنة كبيرة.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي “دام ظله”، في الكتاب القيم الموسوم بـ”من عبق المرجعية”: “إنّ شعب العراق في محنة كبيرة”.
لهذا تقع مسؤولية التصدي والمعالجات على الجميع، كلٌ حسب موقعه وقدراته وصلاحياته، فكلما كان المركز الوظيفي أو الاجتماعي كبيرا، تتضاعف هذه المسؤولية، من هنا فإن الجميع بلا استثناء مطالَبون بالانتباه لما يجري في العراق كي يكون فاهما وعارفا ومستعدا للمساعدة والعطاء وخصوصا الكادر الحكومي.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على هذه النقطة بالقول: “ينبغي على الجميع الانتباه والالتفات لما يجري في العراق”.
كما يشير سماحته إلى محنة مستمَدة من الواقع، حيث الأذى والمأساة طالت ولا زالت تطول جميع العراقيين وخصوصا أهل البصرة، بما فيهم من أقام ويقيم بعيدا عن أرضه، فالكل مشمولون بهذه المأساة التي أحالت حياة العراقيين إلى سلسلة من المتاعب والمحن التي لم تجد لها الإدارات والحكومات حلولا ناجعة، تنتشل الناس من مأساتهم، على الرغم من أن هؤلاء المسؤولين يعلنون أنهم مع حقوق الإنسان وأنهم يسعون إلى حفظ كرامة العراقيين ولكن هذا يحدث في الشعارات والتصريحات فقط، أما الواقع فهو عكس الشعار والتصريح تماما.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: “نحن العراقيون جميعاً في كل مكان، وفي كل أرجاء الأرض في بلاد الإسلام وفي غير بلاد الإسلام قد شملتنا المأساة بشكل وبآخر”.
الحكومة وحماية الحريات والحقوق
من المفارقات المؤسفة أن العراق وشعبه غالبا ما يكونان في موقع حسد من البلدان والشعوب الأخرى، والسبب هو ما تضمه باطن هذه الأرض من ثروات غنية، لكنها في الأغلب الأعم تذهب هدرا، بسبب إدارة هذه الأموال بطريقة سيئة، فما يُختلس منها وما يُسرق وينهب، وما يُهدَر بسبب عدم شعور الحكومات بالمسؤولية تجاه الناس، كل هذه الأسباب تجعل من أرض العراق الغنية جرداء، مصابة بأوبئة وأمراض فتاكة كما يحدث اليوم في مدينة البصرة، حيث تحوّلت المياه فيها من مهمة الإنقاذ وإدامة حياة الإنسان إلى تسميمه وقتله، كل هذا بسبب الفشل المزمن لإدارة الأموال، وأسلوب اللامبالاة إزاء حقوق الإنسان في هذا البلد وعدم الاهتمام بكرامة الإنسان، فالحكومات هي السبب الأول في كل ما يحصل من مآسٍ وتجاوزات على حقوق الناس.
يقول سماحة المرجع الشيرازي عن هذا الشأن:
إنّ “جلّ المآسي والمعاناة التي تواترت على الشعب العراقي، طيلة العقود الماضية، وعمدتها مردّها غياب النظام الإداري (الحكومة) الصالح”.
لذلك ينبغي أن تغادر الحكومة القادمة التي هي الآن قيد التشكيل أساليب الحكومات الفاشلة التي مضت، وكل حكومة لا تتخذ من النظام العلوي وطريقة الحسينية المستقاة من منهج أهل البيت “عليهم السلام”، سوف لا يُكتَب لها النجاح، فالمطلوب حكومة تعدل بين الجميع، وتتمسك بمنهج الشورى، وتحمي كرامة وحرية مواطنيها، وأن تكون الحكومة على أساس الأخوة والتعاون والتكافل المتبادَل، مع أهمية التخطيط الإستراتيجي الإستباقي لمعالجة الأزمات قبل وقوعها، وعدم الانتظار حتى تحدث الأزمة والمحنة وتحصد ما تحصد من أرواح وخسائر ثم تفكر الحكومة بالحلول التي غالبا ما تكون مرتجلة وترقيعية وغير نافعة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
إنّ “الحكومة التي ستتولّى إدارة شؤون العراق، ينبغي أن تستلهم مبادئها من النظام العلوي، والطريقة الحسينية حتى تكون حكومة عادلة، فتقوم على الشورى والحريّة والتعدّدية؛ ومبنية على أساس الأخوّة الإسلامية والأمّة الواحدة”.
التعبئة المركّزة لإنقاذ البلد
إنّ سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يؤكد على أهمية حفظ كرامة العراقيين، وحماية حرياتهم وأن الحكومة التي تتشكل من ممثلي الشعب جاءت بملء إرادتها إلى السلطة وفي هذه الحالة عليها أن تتحمل كامل أعباء ما يترتب على هذا الاختيار الطوعي، وواجبها أولا هو العمل المثمر والدائم لحماية الشعب من الجوع والعطش وتوفير الخدمات الأساسية مما يحافظ على الكرامة ويعززها، خصوصا أن أهالي البصرة تحديدا والعراقيين عموما إلا نسبة قليلة منهم يعانون من البؤس والحرمان وانعدام فرص العمل في القطاعين العام والخاص.
وما يؤشر الخلل الحكومي الكبير هو انشغال أهل السلطة بمصالحهم وإهمال المواطنين بصورة شبه تامة، على الرغم من أن مطالبهم المرفوعة لا تتعدى ماء الشرب الصالح ولقمة العيش الحلال والسقف الذي تحتمي به العائلة، وهذه حقوق من المعيب على أية حكومة عدم تحقيقها، ولكن عمليات النهب المنظّم لأموال الشعب العراقي من قبل المتنفذين، هي حجر الزاوية في المأساة والمحنة التي يعاني منها المواطن على الرغم من الإباء والعزة التي يتحلى بها.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
“يجب القيام بسدّ حاجات المحتاجين في العراق في كافة الأصعدة، لإزاحة البؤس والفقر والبطالة والعزوبة وغيرها، عن هذا الشعب الأبي والغنيّ الذي نهبوا خيراته عقوداً سوداء”.
استنادا إلى ما مرّ ذكره، وبالتزامن مع ما يجري من أحداث خطيرة في البصرة اليوم، فإن المطلوب كما يرى سماحة المرجع الشيرازي إطلاق حملات التعبئة المركّزة لإنقاذ بلد أئمة أهل البيت عليهم السلام، مما يمر به من مشكلات مستعصية ومآسٍ كبيرة تكاد تأتي على ما تبقى من كرامة الإنسان، علما أن العراقيين هم من أكثر الناس إباءً واعتزازا بالنفس والمطلوب من قادتهم السياسيين تعزيز هذه الكرامة وتعضيدها بحماية الحريات في الإعلام والرأي وحق التظاهر السلمي، مع الإصرار على تعويض الشعب الجريح مما مر به في عهود وعقود الدكتاتورية والظلم والحرمان.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب قائلا:
“يجب التعبئة المركّزة لإنقاذ بلد الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسين وسائر الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم جميعاً، من المآسي التي يمرّ بها الآن، بعد ما قضى عقوداً سوداء تحت أقسى أشكال الوحشية والاستبداد”.