المقالات

المرجعية الشيرازية: كبش فداء

بقلم: حسين الرميثي

مع انني لا اعتقد بالعنوان الذي اخترته لهذا المقال، لكن سأعترف أن الكثير يرى المرجعية الشيرازية ككبش فداء و من الضروري التخلص من هذا الكبش بطريقة او باخرى. اضيف أنني لن اتهجم على هذه الجهة او تلك في هذا المقال. ليس بسبب الخوف، بل لأنني لا ارى اي داعي لأن اتعرض لاي جهة سوى النظام الايراني. بالاضافة حتى تعرضي للنظام الايراني سيكون من ضمن سياق تحليلي سياسي – ديني – جيوغرافي – تاريخي و ليس من باب العداء بما أن البعض يعرف أنني اقلد هذه المرجعية في امور ديني.

 

بقلم: حسين الرميثي

مع انني لا اعتقد بالعنوان الذي اخترته لهذا المقال، لكن سأعترف أن الكثير يرى المرجعية الشيرازية ككبش فداء و من الضروري التخلص من هذا الكبش بطريقة او باخرى. اضيف أنني لن اتهجم على هذه الجهة او تلك في هذا المقال. ليس بسبب الخوف، بل لأنني لا ارى اي داعي لأن اتعرض لاي جهة سوى النظام الايراني. بالاضافة حتى تعرضي للنظام الايراني سيكون من ضمن سياق تحليلي سياسي – ديني – جيوغرافي – تاريخي و ليس من باب العداء بما أن البعض يعرف أنني اقلد هذه المرجعية في امور ديني.

لأكون منصفا في بداية مقالي ساذكر بعض الامور الايجابية من وجود النظام الايراني وهي ليست سوى تحليلات وصلت اليها لى مر السنين ومن خلال بعض المشاهدات في ايران والعراق والخليج والدول الغربية.

يقال ان الغرب مرتين تعرف الى الشيعة، المرة الاولى كانت بعد اصدار فتوى استعمال التبغ من الميرزا الشيرازي الكبير والمرة الثانية بعد ثورة السيد روح الله الخميني في عام 1979، في المرة الاولى عرف الغرب مدى قوة المرجعية الشيعية ومدى تلاحمها مع قاعدتها الشعبية وفي المرة الثانية عرف مدى القوة التنظيمية لرجال الدين و تأثيرها على الرأي العام خارج الاطار التقليدي. نجاح الثورة في ايران و اسقاط الشاه وصعود رجال الدين الى سدة الحكم بالنسبة للبعض شبيه لما يعتقد بعض اليهود حول قيام دولة اسرائيل. ففي احدى الندوات الجامعية استمعت لمحاضرة لحاخام يهودي يقول فيها أن قيام دولة اسرائيل يعني نهاية اليهود وكان يعتمد في كلامه على نصوص يهودية. في الاتجاه المعاكس صعود رجال الدين في ايران كان يراه البعض بمثابة بادرة امل لخلاص الشيعة من طغيان و ظلم مستمر. فعلى اقل تقدير استطيع أن اقول أن صعود رجال الدين الى سدة الحكم كان بمثابة بادرة الامل التي يبحث عنها الكثير. 

اضافة الى هذا الجانب، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ما كان يحصل في العراق من بطش على يد الطاغية صدام حسين وكبته للحوزة العلمية في النجف الاشرف. فكان لابد من مكان اخر يستطيع الشيعة من خلاله نشر التعاليم الشيعية الى العالم. فاستطاع العلماء بالرغم من وجود مضايقات الكتابة وطرح الاراء ومناقشة الافكار الدينية واللادينية وحتى الافكار الجديدة التي كانت تسدد سهامها الى المذهب الشيعي. فرأينا مثلا السيد تقي المدرسي يكتب ويطبع كتاب بأسم العرفان الاسلامي في زمن كان فيه السيد الخميني يمجد بابن العربي ويتبجل بفصوص الحكم والكثير كانوا يرون الكتاب الذي كتبه السيد المدرسي بمثابة رد على السيد الخميني وهنا لست بصدد اثبات هذا الامر او نفيه. ايضا رأينا السيد الشيرازي يطرح نظريته حول شورى الفقهاء في اوج قوة وجبروت السيد الخميني وسيطرته على زمام الامور بفضل نظرية ولاية الفقيه المطلقة. ايضا رأينا انتشار مدارس فكرية وفقهية مختلفة تدرّس وتطرح ارائها بالرغم من المضايقات وهذه الامور كلها بشكل او باخر اثرت المكتبة الشيعية. حتى الاخباريون استطاعوا أن ينشروا ويكتبوا ويبحثوا من خلال هذا الجو الذي نستطيع تشبيهه بالفترة الزمنية التي شهدت صراع الامويين و العباسيين. فالمعروف أن هذه الفترة كانت الفترة الذهبية للامامية وزعيم المذهب الجعفري الامام الصادق عليه السلام نشر علوم ال محمد عليهم السلام في حلقاته الدرسية مع حضور الاف المحدثين وطلاب العلم.

الامر الايجابي الاخر يتمثل في اطلاق دور المراة على الصعيد الاجتماعي و الديني في ايران و حتى العالم الاسلامي. طبعا سيقول البعض أن النظام الايراني بعد الثورة اجبر على اطلاق دور المراة لأن النساء كانوا و لا زلن يشكلن الاغلبية في ايران و لا يستطيع النظام تحجيم هذه الفئة، خاصة أن المجتمع الايراني و التقاليد الايرانية تضع المرأة على مقربة من الرجل في ادارة شؤون العائلة و حتى المجتمع. لكن استطاعت المرأة المتدينة أن تجد متنفس جديد جديد تستطيع من خلاله ابراز اهمية دورها بشكل اكبر و افضل و لائق لخصوصياتها.

في المقابل الامور السلبية التي نتجت عن نجاح الثورة اصبحت كترسبات تجتمع واحدة تلو الاخرى على مر السنين لتوصل المجتمع الشيعي الى الحال الذي هو عليه الان. فالامر ليس متعلق بايران لوحدها بما أن الثورة الايرانية ارادها الخميني ان تكون توسعية، فدخل في صراع مع دول الخليج و العالم العربي. و النتيجة كانت كارثية لشيعة الخليج و باقي الشيعة في البلاد الاسلامية.

شخصيا اكره التسميات التي تطلق للمرجعية الشيرازية و لمقلدي هذه المرجعية كالتيار الشيرازي او جماعة الشيرازية و غيرها. لأنني اعتبرها متأثرة بالماكنة الاعلامية الايرانية و العربية التي تأثرت بدورها بالاعلام الايراني المعادي للمرجعية الشيرازية. و الدليل على كلامي لا نرى مثلا تعبير التيار الخوئي او التيار السيستاني او التيار الخراساني (اسوة بالمرجع الوحيد الخراساني). هذا التعبير اطلق على التيار الصدري مثلا لأن له نظام سياسي و اجندة سياسية و دخل المعترك السياسي في العراق. و لو قال البعض أن المرجعية الشيرازية ايضا كان لها نشاطات سياسية في العالم العربي كالبحرين، استطيع ان اقول: في البحرين كان هناك ما يسمى بالتيار الرسالي و لم يكن على ارتباط مستقيم بالمرجعية الشيرازية كما يدعي البعض و لا اريد التفصيل في هذا الموضوع. ايضا المرجعية الشيرازية لم تدخل المعترك السياسي في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين و الذي رأيناه من دخول بعض الشخصيات الى الانتخابات لم يكن سوى محاولات شخصية من مجاميع تابعة في التقليد الى المرجعية الشيرازية. فلو ارادت المرجعية الشيرازية الدخول في هذا المعترك لتركت المثالية كما يسميها البعض و شاركت السيد الخميني في ادارته للبلاد مع اعطاء بعض التنازلات. فمثلا قد يتذكر البعض أن المرحوم السيد علي الفالي رحمه الله نصب رئيسا لبلدية قم و لكن السيد ترك المنصب بعد سويعات عندما رأى بعينه الانفلات و السلاح الذي يدخل و يخرج من البلدية على يد مجاميع لا نستطيع التعبير عنها سوى بالبلطجية. فالسيد رحمه الله ترك المنصب و قال لا اريد أن اكون مسؤول عن قطرة دم تسقط بغير حق. ايضا قد يتذكر البعض أن قائد الثورة انذاك السيد الخميني قد عرض على السيد محمد الشيرازي رحمه الله منصب نائب القائد و كيف السيد رفض المنصب و ايضا لا اريد الخوص في هذا الموضوع لاسباب شخصية و امنية قد تسبب الحرج و الخطر لاشخاص لا زالوا على قيد الحياة و منهم من هو يسكن في ايران ايضا.

فأن يقال الصراع بين المرجعية الشيرازية و النظام الايراني هو صراع سلطة بعيد كل البعد عن الواقع و المرجعية الشيرازية برئية من هذا الادعاء كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب. لكن لنكن واقعيين هناك اسباب كثيرة للصراع بين المرجعية الشيرازية و النظام الايراني و تاريخ هذا الصراع قد شكّل و كدّس الكثير من الامور المخفية و المكشوفة على حد سواء و لكن الاهم من هذا كله الصراع هذا كان بمثابة درس سياسي مهم جدا للنظام الايراني. بالنهاية الثورة في عام 1979 اصبحت نظام و النظام اصبح قوة اقليمية و هذه القوة الاقليمية كباقي الانظمة لها اولويات و اولها البقاء.

النظام السياسي العالمي طرح بعض المفاهيم التي ترسخ مفهوم الدولة و تساعدها في الحفاظ على كينونتها و بقائها. السيادة، الشأن الداخلي، ارادة الشعب، مؤسسات الدولة، الامن العام و غيرها من المفاهيم كلها تصب في اتجاه واحد و هو بقاء النظام و ديمومته. فنرى فلان حكومة تقنن فلان قانون بحجة أن مخالفته قد تهدد الامن القومي او سيادة البلد و هذه المفاهيم تستغل حتى في الدول الديمقراطية كامريكا و كندا و بريطانيا و فرنسا.

النظام الايراني ايضا من ضمن هذه المنظومة و عليه الاستعانة بهذه المفاهيم للبقاء و الديمومة. لكن الفرق يكمن في الاستعانة بالدين و الغطاء الشرعي كما استغل القوميون مفاهيم توحد الفرد العربي و كما استغلت العائلة المالكة في شبه الجزيرة العربية الحرمين الشريفين كغطاء شرعي و اطلقوا على انفسهم لقب (خادم الحرمين الشريفين). اذن الغطاء الديني للنظام الايراني هو الضمان للبقاء و الشرعية التي يريد تقديمها للداخل و حتى محطيه العربي و الاسلامي.

في المقابل عندما يواجه اي نظام تهديد لشرعيته يستطيع مواجهة ذلك التهديد بوسائل عدة. في الغرب هكذا تهديدات تواجه من خلال الاوساط الاكاديمية و الاعلام و اذا خرجت عن دائرة الفكر و الكلام و الرأي و اصبحت تهدد سلامة المجتمع تتدخل الحكومات و تستغل الاجهزة الامنية لبسط الامن و القانون. لكن الامر مختلف في ايران و باقي الدول التي ترى الحرية النسبية الموجود في الغرب كتهديد لبقاءها و شرعيتها.

فالدول الديكتاتورية والشمولية على حد سواء تتبع نفس المنهج و الاسلوب في التعامل مع المخالف او ما يسمى في المفهوم السياسي (المعارضة).

اولا: النظام الايراني يريد بقاء المرجعية الشيرازية في ايران و حتى اذا طلبت المرجعية الشيرازية الخروج من ايران لن تسمح لها. فالانظمة الديكتاتورية والشمولية دائما تبحث عن خلق ازمات لاشغال الرأي العام. صدام حسين خلق (ابوطبر) لارهاب الناس و اشغالهم بسلسلة من الجرائم التي ارعبت الشارع العراقي و فيما بعد تبين ان المراد من (ابوطبر) كان تصفية بعض الرموز في البلاد من ضمن الحلقة القريبة للقصر الجمهوري. في مصر كان حسني مبارك يشغل الرأي العام من خلال بعض الفتاوي الازهرية و صراعها مع الفنانين مثلا لكي لا يعترضوا على تفشي المخدرات و الرشوة و غيرها من المفاسد. في السعودية، كان النظام السعودي بين الحين و الاخر يتعرض للمنطقة الشرقية تحت غطاء اعلامي – وهابي يكفر الشيعة و يبين أن البلد يمر في ازمة و تهديد خارجي بدعم من ايران و أن صمام امان البلد هو الالتفاف حول القيادة السعودية التي يمثلها الملك (خادم الحرمين الشريفين). نفس الامر ينطبق على النظام الايراني. عملية خلق كبش الفداء في ايران مرت في مراحل متعددة الى أن وصلت الى مرحلة النضج مع المرجعية الشيرازية. فمن قضية مهدي هاشمي و صادق قطب زاده و السيد الشريعتمداري و ابوالحسن بني صدر و انفجار مقر قيادة الثورة و الحرب الايرانية – العراقية و انتخاب خاتمي (الليبرالي) و الاغتيالات في اوساط المثقفين و الكتاب، و التيار الاصلاحي و العقوبات الدولية وصل النضج الايراني في خلق الازمات الى اوجه في التعامل مع المرجعية الشيرازية. الامر المهم هنا يكمن في تهديد الشرعية الدينية للنظام الايراني. فالتيار الاصلاحي لم يكن في يوم بمثابة التهديد للشرعية الدينية لهذا النظام، بل كان تهديد سياسي من خلال تقويض سلطات الدولة و اتهامها بالتزوير في قضية مير حسين موسوي ضد احمدي نجاد. حتى قضية الحج و الصراع مع السعودية لا زالت في الاطار السياسي و خلقت هذه الازمة التي كان يمكن حلها بالطرق السياسية لاشغال الرأي العام ليس الا. لكن الامر مختلف مع المرجعية الشيرازية. مرجعية لها امتداد في العالم العربي و لها اتباع في مختلف دول العالم و غالبهم يزورون ايران و يتلقون بمرجعهم و يسمعون صوته و يروونه و يتكلم معهم و يسمع شكاويهم. بابه مفتوحة للجميع و يستقبل الجميع بوجه بشوش و ابتسامة دائمة بالرغم من المتاعب و التهديدات التي يتحملها. حتى في قضية الشعائر الحسينية و حثه على اقامتها كالتطبير ننظر أن اتباع هذه المرجعية كانوا حاضرين أن يشتبكوا مع قوات الامن اذا لزم الامر بعكس باقي المجاميع التي اختارت أن تمارس هذه الشعائر في الخفاء. فمثلا هناك الكثير من الاتراك الايرانيون يمارسون شعيرة التطبير في بيوتهم او في اماكن بعيدة عن اعين النظام و جواسيسه. لكن مقلدي المرجعية الشيرازية اختاروا المواجهة و مقارعة الظلم و النظام الاستبدادي كما يعبرون. بالنتيجة هذا العزم و هذا الاصرار مستمد من غطاء ديني و مرجعية دينية لا ترى اي قيمة لقوانين الدولة الايرانية عندما تخالف هذه القوانين الحريات الشخصية من ضمنها حرية اقامة الشعائر. فهذه المعارضة تهدد الشرعية السياسية و الدينية للنظام الايراني مع أنني لا اريد حصر الخلاف مع النظام الايراني بقضية الشعائر الحسينية.

فالخلاف مع النظام الايراني خلاف حول استقلالية الحوزة العلمية و خلاف حول الية التعامل مع المعارضين. خلاف حول عدم شرعية مصادرة الاموالي و السجن و التعذيب و الاعدامات العشوائية و الحريات المدنية. خلاف حول استغلال الدين لمصالح سياسية. خلاف حول استغلال المذهب الشيعي في الصراع السياسي مع دول المنطقة و تحويله الى صراع طائفي. فلنكن صريحين: الم تحتوي الكتب الشيعية على ذكر مثالب بعض الصحابة كالخلفاء الثلاثة و بعض زوجات النبي حتى قبل الثورة؟ الم يكن شيعة باكستان و افغانستان معرضين للقتل و التنكيل قب الثورة؟ بمجرد اجراء بحث بسيط على غوغل نستطيع أن نرى تاريخ البطش الذي تعرضت له شيعة باچنار و شيعة افغانستان في القرون الاخيرة. بالعكس البعض يقول أن بعض المجاميع الارهابية تستغل الكبت الذي تتعرض له الاقلية السنية في ايران كاداة لتحشيد الشباب و جرهم الى الارهاب و قتل الشيعة في افغانستان و باكستان و السعودية و غيرها من الاماكن. نفس هذه المجاميع في السنين الاخيرة تستغل صور الاطفال الذين يسقطون جراء القصف السوري و تقول أن النظام السوري يفعل هذه الامور بدعم ايران الشيعية و تقتل اطفال السنة. طبعا هناك من يقول أن هذه الصور مفبركة و الى اخره و لكن بالنتيجة هذه الحيل تستعمل و هي مؤثرة و نتائجها واضحة على ارض الواقع. فالصراع الطائفي في المنطقة سياسي قبل ان يكون مذهبي و لا علاقة للمرجعية الدينية اصلا ناهيك عن علاقة المرجعية الشيرازية بهكذا اتهامات.

فخلق ازمة داخلية و خارجية امر يتبعه النظام الايراني للتغطية تقصيره و مشاكله في الداخل و اجنداته في الخارج. فعندما فشلت الاحزاب الدينية العراقية في ايصال العراق الى بر الامان و الاستقرار بعد سقوط نظام صدام حسين، بدأت هذه الاحزاب الموالية لايران ببث دعايات مشابهة للمرجعية الشيرازية و حتى المرجعية النجفية المتمثلة بالسيد السيستاني. فعندما تنشر صور لمناطق محرومة و عوائل محرومة لا تملك اي شئ نسمع هذه العبارات: اين المرجعية؟ لماذا لا تتكلم؟ اين رجال الدين؟ لماذا تصرف الاموال الشرعية لفلان مشروع و فلان مشروع و هؤلاء محرومين من ابسط امور الحياة؟ لست بصدد رد هذه الاتهامات لأنها سخيفة و تدل على سفه من يطلقها. لكن نفس الاسلوب هذا يستعمله النظام الايراني لضرب المرجعية الشيرازية ايضا للحفاظ على شرعيته. لكن في العراق يستغل هذا الاسلوب للحفاظ على شرعية نظام الحكم و الذي هو متفكك و ضعيف و فاسد الى ابعد الحدود. فبدل أن توجه اصابع الاتهام الى الدولة و تقصيرها في تهيئة سبل الحياة المحترمة لمواطينها توجه اصابع الاتهام الى المرجعية التي غالبا لا تطاع و في ايران ايضا بدل أن توجه اصابع الاتهام الى الدولة و تقصيرها في تحسين الوضع الاقتصادي و خلف فرص عمل للشباب، توجه الاتهامات الى المرجعية الشيرازية بخلق الصراع الطائفي او دعم اعداء الثورة و ما شابه.

يجب الذكر أن ابقاء المرجعية الشيرازية في ايران ضروري للنظام ايراني للسيطرة على المتطرفين في النظام الايراني. فهؤلاء المتطرفون في النظام الايراني بحاجة ان يكونوا منشغلين بقضية او باخرى في كل الاحوال لكي لا يتدخلوا في امور الدولة ودورهم ليس الا دور الغوغائيون. فكما تشغل الحكومة السعودية الوهابية بالشيعة لكي تبعدهم عن فساد وترف العائلة المالكة، تبعد ايران هؤلاء المتطرفون عن امورها الحساسة وتشغلهم بالمرجعية الشيرازية لابعادهم عن سياساتهم التطبيعية مع الغرب مثلا.

الامر الاخر الذي يحتم على القيادة الايرانية ضرب المرجعية الشيرازية هو امتداد هذه المرجعية في العالم الاسلامي و الوطن العربي، بالاخص العراق ودول الخليج. القيادة الايرانية تعلم أن المرجعية الشيرازية لن تواجه المرجعية النجفية بأي شكل من الاشكال وستكون على وئام معها في كل الاحوال بالرغم من الاختلافات الموجودة في وجهات النظر. اذن شعبية المرجعيات المستقلة تعني شعبية المرجعية النجفية بشكل او باخر. يجب الاعتراف أن ايران ايضا لن تدخل في صراع علني مع المرجعية النجفية لاسباب كثيرة منها الشعبية في العالم الاسلامي والحضور التاريخي وايضا الاموال الطائلة التي تصل على هذه المرجعية. لكنها ترى أن ضرب المرجعية الشيرازية التي ايضا هي مستقلة هو بمثابة (جرة اذن) للمرجعية النجفية. فهم يريدون ايصال رسالة بأن هؤلاء الذين عندهم ماكنة اعلامية وشعبية في اوساط الشباب والمجاميع الحسينية استطعنا تحجيمهم واذا اردنا نستطيع ضربكم ايضا. طبعا هذا الصراع لن يكون بهذه الصراحة وهذا الانفتاح الذي اعبره عنه هنا. لكن سيكون من خلال طرح شخصيات وتيارات جديدة توجه اتهامات مختلفة الى المرجعية النجفية وتحجز لنفسها مكان داخل اروقة مدينة النجف الاشرف.

بالنهاية يجب أن اقول لا نستطيع اعطاء صبغة قومية للمرجعية الشيعية بشكل عام. فحتى لو كان السيد الشيرازي ايراني الاصل (مع انه من سلالة رسول الله ص) و حتى اذا كان السيد السيستاني ايراني الاصل او الشيخ الفياض افغاني الاصل او الشيخ البشير باكستاني الاصل، المرجعية الشيعية والمفاهيم الشيعية بشكل عام قوضت واحجمت هذه المفاهيم واستطاعت أن تقلل تأثيرها على الشارع الشيعي. فنرى الشيعي العراقي يتأثر بما يجري على شيعة البحرين وحتى نرى الشيعة العرب يتأثرون ويحزنون بما يجري لشيعة افغانستان وحتى مسلمي الروهينجا في بورما. لكن تبقى ضرورة التغطية على الفضل والاجرام والفساد السياسي والاجتماعي العامل الاهم الذي يدفع بالنظام الايراني تكميم الافواه ولو تحتم عليهم استعمال هذه الاساليب خارج حدودهم كما فعلوا مع معارضيهم في اروبا وبعض دول المنطقة لرأينا عمليات اغتيال داخل العراق و بلدان اخرى. الشيعة بكل عام ستختار المرجعية لو خيرت بينها وبين النظام الايراني لأن العمق التاريخي للمرجعية الشيعية اقوى بكثير من التأثير الايراني على الرأي العام. لهذا يجب على النظام الايراني تقويض هذا العمق بشتى الطرق لكي تكون هي الوجه والممثل الاوحد لشيعة العالم سوى عند العالم السني  والعربي او عند العالم الغربي. فأن يكون هناك تشيع ايراني (ولاية فقيهي) وتشيع اخر مستقل يريد فصل الدين عن السياسة و الحكم مضر بسمعة النظام الايراني وشرعيته وبرنامجه التوسعي الذي خطط له السيد الخميني و ينفذه الان النظام الايراني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى