مقامات النبي أيوب (عليه السلام) بين العراق والوطن العربي.. تاريخٌ متجذّر وروايات تنتظر الحسم

مقامات النبي أيوب (عليه السلام) بين العراق والوطن العربي.. تاريخٌ متجذّر وروايات تنتظر الحسم
تنتشر في العراق وعدد من دول المنطقة مقامات تُنسب إلى نبي الله أيوب (عليه السلام)، الذي تذكر الروايات أنه عاش اثنتين وتسعين أو ثلاثاً وتسعين سنة، وأن أصوله تعود إلى نسل إسحاق بن إبراهيم (عليهما السلام)، فيما تُرجّح بعض المصادر أن والدته كانت بنت نبي الله لوط (عليه السلام)، وأن زوجته هي رحمة بنت أفرائيم بن يوسف بن يعقوب. وتبقى هذه التفاصيل، شأنها شأن العديد من الروايات التاريخية، محل بحث وتنقيب، تماماً كما هو الحال مع المواقع التي يُقال إنها شهدت ابتلاءه أو وفاته أو مواضع دعائه واستجابة الله تعالى له.
تل النبي أيوب في سوريا.. أقدم الروايات وأوسعها انتشاراً
يُعد تل النبي أيوب قرب مدينة إدلب السورية من أبرز المواقع المنسوبة إلى النبي (عليه السلام)، حيث يرجّح عدد من المؤرخين أنه عاش فيه مع زوجته رحمة، التي يُنسب إليها مقام قريب من المنطقة. ويقع الموقع على قمة جبل الزاوية ويبعد نحو 30 كيلومتراً عن إدلب، ويضم عين ماء كبريتية ارتبطت بقصة اغتسال النبي أيوب وشفائه. وقد أشار النووي في “تهذيب الأسماء واللغات” إلى وجود قبر يُنسب إليه في تلك البقعة، مؤكداً أن الأهالي كانوا يقصدون العين طلباً للبركة.
وفي عام 2013، فجّر تنظيم د1عش الأرهـ،ـابي مقام “سِتّي رحمة” في ريف إدلب، ما أدى إلى طمس أحد أبرز المعالم المرتبطة بسيرة نبي الله وزوجته.
عُمان.. مقام مرتفع على جبل آتين
وفي سلطنة عُمان، يقع مقام يُنسب إلى النبي أيوب (عليه السلام) في الشمال الغربي من مدينة صلالة، على قمة جبل آتين. ويضم الموقع ضريحاً طويلاً يقال إنه للنبي عمران، في حين يبقى ارتباط المكان بسيرة أيوب ضمن الروايات المتداولة التي تفتقر إلى الأدلة القطعية.
لبنان وفلسطين.. حضور تاريخي في الذاكرة الشعبية
كما تتوزع مقامات تُنسب للنبي أيوب في منطقة نيحا بقضاء الشوف في جبل لبنان، وفي قرية رأس كركر بمحافظة رام الله والبيرة في فلسطين، حيث يحتفظ السكان بروايات محلية عن إقامة النبي (عليه السلام) أو مروره بهذه المناطق خلال حياته.
العراق.. بين الحلة والرارنجية والغليس
يحتفظ العراق بعدد من المواقع المرتبطة بسيرة النبي أيوب، لا سيما في محيط الحلة. ويعد مقامه القريب من منطقة الرارنجية أحد أبرز هذه المواقع، حيث وصفه الشيخ حرز الدين عام 1315 هـ بأنه كان يضم قبة صغيرة مبنية من الآجر وصندوقاً خشبياً يحيط بالقبر، تحف به نخيلات قديمة.
وفي ضواحي الحلة المزيدية، يقع مقام آخر يُنسب إليه، يُعتقد أنه الموضع الذي استجاب الله فيه دعاءه، وفيه بئر كانت تُقصد للتطهر والاستشفاء، انسجاماً مع قوله تعالى: {ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}. وقد ذكر القزويني في فلك النجاة أن موضع القبر يبعد أربعة فراسخ عن بابل، وأن البئر المحاذية له كانت مقصد المرضى.
قبر السيدة رحمة في الحلة.. تصحيح شائع
وفي جنوب مدينة الحلة، يوجد مقام صغير تُطلق عليه العامة “قبر النبي أيوب”، إلا أن المصادر المختصة تؤكد أنه مقام السيدة رحمة زوجة النبي (عليه السلام)، كما وثّقه الشيخ حرز الدين في مراقد المعارف. ويقع الموقع قرب ناحية القاسم، وتحيط به نخيلات وبئر قديمة أعيد تأهيلها، ويروي السدنة أن ماءها ينبعث منه عطر يشبه رائحة المسك.
ورغم انتشار هذه المواقع في بلدان عدة، لا توجد دلائل قاطعة تثبت تحديد مقام دفن النبي أيوب (عليه السلام) بشكل نهائي، إذ تستند أغلب الروايات إلى التراث المحلي والذاكرة الشعبية، وإلى إشارات متفرقة في كتب التاريخ والسير. ومع ذلك، تستمر هذه المقامات في حمل رمزية روحية وثقافية كبيرة لدى المجتمعات التي تحتضنها، وتبقى شاهداً على حضور قصص الأنبياء في وجدان الناس، مهما تباعدت الأزمنة وتعددت الروايات.




