قرار حظر الحجاب في مدارس كوسوفو يثير جدلاً واسعاً.. ومسلمو البلقان يقلّلون من إمكانية تمدّده إلى دولهم

قرار حظر الحجاب في مدارس كوسوفو يثير جدلاً واسعاً.. ومسلمو البلقان يقلّلون من إمكانية تمدّده إلى دولهم
أعاد قرار المحكمة العليا في كوسوفو، القاضي بتأييد منع ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية، تجديد الجدل حول مكانة الحريات الدينية في بلد يشكّل فيه المسلمون أكثر من 90 بالمئة من السكان. القرار جاء دعماً لوزيرة التعليم التي رفضت مطالبات واسعة بالتراجع عن منع الحجاب، رغم احتجاجات المشيخة الإسلامية، ومناشدات المفتي، وحملات إلكترونية قادتها فتيات محجبات.
وتقول مصادر مطلعة إن تداعيات هذا القرار قد تكون صعبة على المستوى الاجتماعي والسياسي، مشيرة إلى أن الأحزاب السياسية دأبت خلال الانتخابات على طلب دعم المشيخة الإسلامية وفروعها في الأقاليم، في بلد يرى مراقبون أن العلمانية فيه تأثرت بإرث الحقبة الشيوعية والاحتلال الصربي، وأنها تتخذ منحى أكثر تشدداً تجاه المظاهر الدينية مقارنة بدول الجوار.
في جولة آراء شملت مؤسسات وشخصيات إسلامية في دول البلقان، أُجريت مقابلات أظهرت تقييماً مشتركاً للقرار بأنه “سيّئ”، لكنه قابل للتجاوز عملياً، خصوصاً أن تطبيقه يعتمد على مديري المدارس، ومعظمهم – بحسب المتحدثين – لا يميلون إلى تطبيقه بشكل صارم.
من ألبانيا، أوضح صباح الدين يشاري، رئيس مؤسسة المستقبل، أن الدستور يكفل حق ارتداء الحجاب، مشيراً إلى أن الحكومة السابقة أصدرت قراراً يسمح للمؤسسات التعليمية بفرض الزي الداخلي دون اعتبار الحجاب “شعاراً دينياً”. وأضاف أن الحجاب لا يواجه أي إشكالية في بلاده، وأن نساءً محجبات يشغلن مناصب عليا في الدولة والقطاع التعليمي والخاص.
وفي مقدونيا الشمالية، قال الأكاديمي زبير لاتا إن منع الحجاب في كوسوفو “لا علاقة له بالهوية التاريخية للشعب الألباني”، مؤكداً أن الألبان جعلوا الحجاب جزءاً من تراثهم التقليدي. ورأى أن القرار لا يمثل توجه المجتمع بل صدى لتدخلات سياسية “استغلت الظروف المضطربة”. ودعا لاتا إلى معالجة المشكلة عبر القنوات الشرعية والتعاون مع المشيخة الإسلامية.
أما الباحث فوزي موسليو، فاعتبر أن القرار “مصطنع وغير ملائم لكوسوفو”، مؤكداً أن المجتمع هناك متدين وأن الحجاب جزء من الذاكرة العائلية لمعظم السكان، مرجحاً أن لا يستمر أثر القرار طويلاً.
من جنوب صربيا، قال الشيخ جمال حساني إن القرار كان معمولاً به بشكل غير رسمي، وما حدث هو “إقرار قضائي” له، مشيراً إلى أنه قد لا يُطبّق في مدارس يديرها أشخاص متدينون. وأضاف أن صربيا لا تفرض أي قيود على الحجاب في المدارس أو الجامعات، باستثناء حادثة فردية جرى تجاوزها سريعاً.
وفي البوسنة، وصف الأكاديمي كنعان موسيتش الحظر بأنه “مخزٍ”، لكنه شدد على أن تركيبة البلاد السياسية، حيث يشكل المسلمون أغلبية نسبية في البرلمان، تمنع تكرار مثل هذه القرارات. وأشارت الباحثة مريم توليتش إلى أن خصوصية كوسوفو السياسية – وسعيها للحصول على اعتراف دولي واسع – تجعلها أكثر ميلاً لإظهار التزامها بالعلمانية، بعكس دول البلقان الأخرى ذات الهياكل السياسية الأكثر استقراراً.
وأوضحت توليتش أن الجدل حول الحجاب في الجيش البوسني حُسم عبر حلول إدارية، ولا توجد مؤشرات إلى توجهات مشابهة لحظر الحجاب بشكل عام.
أما في سلوفاكيا، فذكر محمد صفوان حسنه، مدير المؤسسة الإسلامية، أن بلاده لا تشهد توجهاً لحظر الحجاب، رغم بعض المضايقات الفردية. وأوضح أن السياسات السلوفاكية تتأثر بالنمسا أكثر من دول البلقان بسبب التاريخ المشترك، مشيراً إلى محاولات لم تنجح لفرض قيود على الفتيات تحت سن الرابعة عشرة.
رغم أن قرار المحكمة العليا في كوسوفو أغلق الباب أمام أي تراجع حكومي بشأن الحجاب في المدارس، فإن الآراء التي جُمعت تشير إلى أن تأثيره سيبقى محصوراً داخل كوسوفو، وسط قناعة واسعة بأن المجتمعات المسلمة في البلقان – بتنوعها التاريخي والديني – لا تتجه نحو تبني قرارات مماثلة، وأن الحجاب سيظل جزءاً من الهوية الثقافية والدينية لدى غالبية شعوب المنطقة.




