مفكر فرنسي: الغرب لم يعد يرى الإسلام كاختلاف ثقافي بل كتهديد وجودي

مفكر فرنسي: الغرب لم يعد يرى الإسلام كاختلاف ثقافي بل كتهديد وجودي
في حوار فكري معمّق، قدّم المفكر الفرنسي وأستاذ الدراسات الشرقية أوليفييه روا قراءة نقدية حادة للعلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي، مؤكداً أن الخطاب الغربي الحديث لم يعد يتعامل مع الإسلام كحضارة أو ثقافة، بل كـ”تهديد وجودي” يُستخدم لتبرير السياسات الإقصائية وتغذية المخاوف الداخلية في المجتمعات الغربية.
وجاءت تصريحات روا، مدير الأبحاث السابق في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) ومدير دراسات المدرسة الفرنسية العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS)، ضمن مقابلة مع الإعلامي جمال الشيال في بودكاست Center Stage التابع لقناة الجزيرة الإنجليزية، حيث تناولت المقابلة تحوّلات الفكر الاستشراقي وموقع الإسلام في الخطاب الغربي المعاصر.
وأوضح روا أن جذور الاستشراق سبقت الحقبة الاستعمارية، وبدأت كمجال أكاديمي لدراسة الشرق بوصفه “حضارة متفردة”، قبل أن يتحول مع الزمن إلى أداة لتكريس الهيمنة الثقافية والاستعمارية، عبر تقديم الإسلام كحضارة فقدت صلتها بالحاضر وتحتاج إلى أن “تتعلم من الغرب طريق الحداثة”.
وانتقد روا بشدة الربط الغربي بين “التقدم” و”العلمانية”، مؤكداً أن هذه الفرضية لم تكن يوماً محايدة، بل استُخدمت سياسياً لفرض نموذج ثقافي محدد، كما حدث في الجزائر خلال الحقبة الفرنسية حين أُنشئت مؤسسات دينية بإدارة استعمارية للتحكم في الثقافة المحلية.
وأشار إلى أن خطاب حقوق الإنسان تحوّل بدوره إلى وسيلة لفرض “خصوصية غربية مصدَّرة”، تتجاهل السياقات الثقافية المحلية وتُصنّف القيم الدينية أو المجتمعية غير الغربية كمعارضة للحداثة.
وحذّر روا من أن التحوّل الأخطر في العقود الأخيرة تمثل في الانتقال من النظر إلى الإسلام كحضارة إلى اعتباره “مشكلة دينية”، حيث باتت الرموز الإسلامية مثل الحجاب أو الامتناع عن الخمر تُقدَّم كدلائل على التطرف ومعاداة الحريات، في انزياحٍ يختزل الإسلام في صورة الخصم الثقافي والسياسي للغرب.
كما لفت إلى أن المجتمعات الغربية نفسها تعاني أزمة داخلية بنيوية تهدد ديمقراطيتها من الداخل، بينما يُحمَّل الإسلام مسؤولية وهمية عن هذا التراجع. وأكد أن معظم المسلمين في الغرب يسعون للاندماج ضمن القيم الديمقراطية مع الحفاظ على حرياتهم الدينية، لكن الخطاب السياسي الشعبوي يصرّ على تصويرهم كتهديد.
وختم روا بالقول إن الغرب يعيش اليوم صراعاً بين قيم الكونية ونزعات الهوية والإقصاء، مشدداً على أن “الخطر الحقيقي ليس الإسلام، بل تآكل إيمان الغرب بقيمه نفسها، وعلى رأسها الحرية والمساواة والعدالة”.