سوريا

من القصف إلى الخطف.. التعليم في سوريا يترنّح بين فوضى الخوف وشبح الانهيار

من القصف إلى الخطف.. التعليم في سوريا يترنّح بين فوضى الخوف وشبح الانهيار

لم يعد الخطر الذي يتهدد العملية التعليمية في سوريا محصورً في القنابل والبراميل المتفجرة كما كان في سنوات الحرب السابقة، بل أخذ اليوم أشكالًا جديدة من الخطف والقتل والقرارات الإدارية التعسفية التي أرهقت الكوادر التعليمية، ودفعت بالمدارس والعملية التعليمية نحو مزيد من الفوضى والانهيار.
في الماضي، كانت المدارس في العديد من المناطق تواجه تهديدات مباشرة بالمجازر الجماعية التي لا تستثني طالبًا أو معلمًا. واليوم لم يختلف الأمر كثيرًا فقد أصبحت بعض هذه المؤسسات التعليمية تواجه واقعًا أمنيًا وإداريًا لا يقل خطورة وتعقيدًا. فقد غاب الأمان تمامًا عن بعض المدارس، وأصبح الطلاب والمعلمون يعيشون في بيئة غير مستقرة، تفتقر إلى أبسط مقومات السلامة.
علاوة على ذلك، أدت الحرب والمعارك إلى انهيار البنية التحتية التعليمية بشكل شبه كامل في العديد من المناطق، حيث أصبحت المدارس في كثير من المدن والقرى مدمرة أو غير صالحة للاستخدام. وفي ظل هذه الظروف، تراجعت الثقة في قدرة مؤسسات التعليم على أداء دورها التقليدي في المجتمع، وتحولت بعض المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين أو مقرات عسكرية، ما جعلها بعيدة تمامًا عن دورها التعليمي المعتاد، ما زاد من معاناة الطلاب وعائلاتهمـ ويهدد بخسارة جيل كامل من المتعلمين والكفاءات العلمية.
ففي مدينة اللاذقية، خرج العشرات من المعلمين وذوي الطلبة، الأسبوع الفائت، في احتجاجات غاضبة بعد حادثة خطف الطفل محمد قيس حيدر من أمام مدرسته. في حادثة أعادت مشاعر الخوف إلى الواجهة، وأكدت أن لا مكان آمن حتى أمام بوابات المدارس.
وفي مدينة دير الزور، نفّذ معلمو مديرية التربية وقفات احتجاجية أمام مبنى المحافظة، رفضًا لقرارات وزارة التربية والتعليم التي وصفت بأنها “تعسفية”. بعد نقل عدد من المعلمين دون مراعاة لظروفهم الاجتماعية ومواقع إقامتهم. المحتجون شددوا على أن تلك القرارات تهدد استقرارهم الوظيفي والمعيشي وتؤدي إلى تفريغ المدارس من كوادرها الأساسية.
كما شهدت المحافظة تحركات متكررة ووقفات احتجاجية أخرى تنديدًا بعدم العدالة في التعيين والنقل، وطالب المعلمون الوزارة بمراجعة التشكيلات الجديدة وضمان معايير الشفافية والمساواة في القرارات.
أما في محافظة السويداء، فقد خرج عشرات الطلاب والمعلمين في مدينة الشهبا بوقفات احتجاجية للمطالبة بحقهم في التعليم، بعد أن أغلقت المدارس نتيجة تحويلها إلى مراكز إيواء للنازحين جراء الهجمات الأخيرة على المحافظة. ما أدى إلى حرمان آلاف الأطفال من الالتحاق بالدراسة.
أيضًا في حلب، تواصلت الاحتجاجات خلال الأسابيع الأخيرة تنديدًا بقطع رواتب المعلمين وتأخّر صرف المستحقات المالية. بينما شهدت مدينة إدلب وقفة احتجاجية أمام مبنى مديرية التربية، رفضًا لقرار توحيد الرواتب بين المحافظات، معتبرين أن القرار مجحف ولا يراعي فروقات المعيشة وظروف العمل القاسية في الشمال السوري.
ومن جهته، يُحذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من أن استمرار هذا الوضع المأزوم، مع تفاقم الانفلات الأمني وغياب العدالة الإدارية؛ ينذر بانهيار شامل للمنظومة التعليمية في سوريا. كما يهدد مستقبل جيل كامل يعيش اليوم بين الخوف والفقر والجهل والانقطاع عن الدراسة المنتظمة.
ويطالب المرصد السوري الجهات المسؤولة والمعنية في الداخل السوري، والمنظمات الدولية والإغاثية، بالتحرك العاجل لضمان حماية الكوادر التعليمية والطلاب، وتأمين بيئة آمنة ومستقرة للتعليم، ومراجعة القرارات الإدارية الجائرة التي تهدد استقرار المعلمين ومعيشتهم، باعتبار التعليم حقًا أساسيًا لا يجوز المساس به تحت أي ظرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى