سوريا تختار أول برلمان بعد سقوط الأسد وسط مخاوف من استمرار النهج القديم

سوريا تختار أول برلمان بعد سقوط الأسد وسط مخاوف من استمرار النهج القديم
بين آمالٍ خجولة ببداية عهدٍ سياسي جديد، ومخاوفٍ متزايدة من تكرار ممارسات الماضي، اختارت سوريا أول برلمان لها بعد سقوط نظام بشار الأسد، في خطوة وُصفت بأنها رمزية أكثر من كونها تحولاً ديمقراطياً حقيقياً، إذ جرى اختيار معظم الأعضاء بالتعيين المباشر أو غير المباشر من جانب الرئيس المؤقت أحمد الشرع.
ويبلغ عدد أعضاء البرلمان الجديد 210 أعضاء، يُعيَّن ثلثهم بقرار رئاسي، فيما يُختار الباقون عبر هيئات ناخبة شكلتها لجنة الانتخابات المعيّنة من قبل الرئيس نفسه، ما أثار انتقادات واسعة من مواطنين ومراقبين للشأن السياسي السوري، اعتبروا أن النظام الجديد لا يختلف كثيراً عن سابقه، وأن آلية اختيار النواب “تكرّس استمرار السيطرة الرئاسية على القرار السياسي”.
ويرى مواطنون تابعت “وكالة أخبار الشيعة” أحاديث في وسائل إعلام، أن التغيير بعد سقوط الأسد ما زال شكلياً، وأن ما يجري يذكّرهم بسنوات حكم البعث التي كانت فيها قرارات البرلمان تمرّ بإشارة من الأجهزة الأمنية، مؤكدين أن التخوّف الأكبر اليوم هو من هيمنة تيار واحد على المجلس الجديد، في ظل غياب مشاركة حقيقية للأقليات والطوائف المختلفة.
خبراء ومتابعون للشأن السوري أوضحوا أن المقارنة بين التجربة السياسية الحالية والأنظمة الديمقراطية العالمية “لا تزال بعيدة المنال”، نظراً لأن البنية السياسية في سوريا “تُعاد صياغتها بطريقة مغلقة”، رغم الشعارات المرفوعة عن التعددية والإصلاح.
كما تواجه الانتخابات مقاطعة واسعة في مناطق الأقليات، لاسيما في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، التي تشهد توتراً أمنياً حاداً بعد مواجهات دامية أودت بحياة المئات من المدنيين والمسلحين ورجال الأمن. وأكدت مصادر محلية أن “الشرخ بين الدروز والحكومة المركزية في دمشق عميق للغاية”، مما يجعل إجراء الانتخابات هناك أمراً غير ممكن حالياً.
وفي المقابل، لم تُجرَ الانتخابات أيضاً في مناطق الأكراد شمالي البلاد، حيث تظل العلاقة بين القوات الكردية والحكومة الانتقالية متوترة وغامضة، رغم اتفاقٍ أُعلن في آذار/مارس الماضي بشأن دمج المقاتلين الأكراد ضمن القوات الرسمية، من دون أن يُنفّذ حتى الآن.
ويرى مراقبون أن النهج الحالي “إقصائي” ويعتمد اللون الواحد، وهو ما يعكس – على حد تعبيرهم – فهماً قاصراً للتنوع السوري الغني بالعرقيات والطوائف، مؤكدين أن غياب إشراك جميع المكونات في المرحلة السياسية الجديدة “سيقوّض فرص الاستقرار ويؤخر بناء الثقة”.
ويبرر بعض المسؤولين في الحكومة المؤقتة أسلوب التعيين بغياب الظروف الملائمة للانتخابات العامة، نظراً لتشتت ملايين السوريين في الداخل والخارج وصعوبة الوصول إلى النازحين، إلا أن خبراء في الشأن السياسي يؤكدون أن تجاوز هذه التحديات لا يكون بإقصاء المجتمع، بل بإيجاد آليات شاملة تضمن التمثيل الحقيقي وتبني مؤسسات مستقلة.
ويخلص مراقبون إلى أن سوريا اليوم تقف على مفترق طرق صعب؛ فإما أن تُفتح صفحة جديدة من الحياة السياسية الحرة التي تعكس تطلعات الشعب بعد أكثر من عقد من الحرب، أو أن تظل البلاد عالقة في دائرة الأنظمة المركزية التي لا ترى في البرلمان سوى أداة تنفيذية في يد السلطة.