بعد انهيار نظام الأسد.. الأقليات السورية بين اتهام الشراكة وضريبة الضحية

بعد انهيار نظام الأسد.. الأقليات السورية بين اتهام الشراكة وضريبة الضحية
لطالما شكَّل ملف الأقليات في سوريا إحدى أعقد القضايا وأكثرها حساسية، إذ استُخدم كورقة سياسية من قِبل النظام والمعارضة على حد سواء، بين تصويرهم شركاء في الحكم الاستبدادي، أو ضحايا لسياساته القمعية. غير أن الواقع يكشف صورة أكثر تعقيداً، حيث تعايشت في كل طائفة فئات مهمَّشة وأخرى نافذة، بين ضحايا عانوا التهميش والقمع، ونخب ارتبطت بدوائر السلطة.
منذ انقلاب 1970، أسس حافظ الأسد ما عُرف بـ”العلونة السياسية”، عبر إحكام قبضته على المؤسسات الأمنية والعسكرية من خلال نخبة ضيقة داخل الطائفة العلوية، فيما بقي معظم أبناء الطائفة خارج دائرة الامتياز، بل وتعرض بعضهم للقمع إذا أبدوا معارضة، كما في حالة المعارض العلوي عبدالعزيز الخير الذي قضى سنوات طويلة في السجون.
الأقليات الأخرى كالمسيحيين والدروز والإسماعيليين حظيت بتمثيل شكلي في مؤسسات الدولة، إذ استُخدم حضورها لتجميل صورة النظام داخلياً وخارجياً، دون أن تمتلك وزناً حقيقياً في صنع القرار. ومع أن بعض النخب شاركت في السلطة، فإن الغالبية عاشت التهميش أو وُضعت أمام خيار البقاء إلى جانب النظام تحت ضغط الخوف والتهديد.
ومع اندلاع ما سُمي الثورة السورية عام 2011، تباين خطاب المعارضة بين تيار مدني دعا إلى محاسبة فردية للمسؤولين عن الجرائم بعيداً عن الانتماءات الطائفية، وتيار آخر اتسم بنزعة انتقامية غذَّت مخاوف الأقليات ورسخت شعورهم بالتهديد. إلا أن أصواتاً وازنة أكدت أن الهدف لم يكن صراعاً طائفياً، بل ثورة شعب ضد الاستبداد، مستشهدة بمواقف ميدانية أفرج فيها قادة عن أسرى النظام بعبارة: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
سياسات النظام القائمة على “فرّق تسد” لم تنتج فقط هيمنة أمنية، بل عمّقت الانقسامات المجتمعية ورسخت شعور الأقليات بأنها رهائن تُستخدم درعاً سياسياً، لا شركاء فعليين في السلطة. وقد تكررت التجربة داخل كل طائفة، حيث استفادت نخبة صغيرة بينما بقيت الأغلبية في الظل.
سقوط النظام أواخر عام 2024 لم يكن نتيجة فقدانه حلفاءه من الأقليات، بل لفقدانه شرعيته أمام الشعب بأكمله. واليوم، تقف سوريا أمام تحدي إعادة التأسيس على قاعدة المواطنة والعدالة الانتقالية.
الطريق إلى سوريا الجديدة يمر عبر بناء دولة محايدة عن العصبيات، وضمان الحقوق الدستورية لكل المكونات، وفصل السلطات وتحويل المؤسسات إلى أجهزة وطنية، بما يطوي صفحة الاستغلال الطائفي، ويفتح أمام جميع السوريين –بمن فيهم الأقليات– أفق الانتماء إلى مشروع وطني عادل ومستقر.