أمريكا

قصة منتج إسلامي لا تستطيع فرنسا حصاره: الحلال بين الهوية والاقتصاد

قصة منتج إسلامي لا تستطيع فرنسا حصاره: الحلال بين الهوية والاقتصاد

رغم القيود المشددة التي تفرضها فرنسا على المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية، بدءاً من التضييق على ارتداء الحجاب وصولاً إلى إغلاق المدارس الإسلامية، يبقى “الطعام الحلال” الاستثناء الأبرز الذي لم تستطع السلطات تقييده أو حصاره بشكل كامل.
ففي “بلاد الأنوار”، يتواجد الحلال في كل مكان، من الجزارين المحليين إلى المتاجر الكبرى، ومن المطاعم الشعبية إلى بعض المطاعم الشهيرة التي استبدلت لحومها بلحوم حلال مثل سلسلة “كويك”، وهو ما جعل الإقبال عليها يتضاعف خاصة في الأعياد والمناسبات الإسلامية.
وتعود جذور انتشار الحلال في فرنسا إلى موجات الهجرة الكبرى في ستينيات القرن الماضي، حيث ساهم استقرار المسلمين في رفع الطلب تدريجياً على اللحوم المذبوحة وفق الشريعة الإسلامية. ومع بروز “المستهلك المسلم” في التسعينيات، اتسع نطاق استهلاك الحلال ليصبح جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للأجيال الجديدة. وزادت الأزمات الصحية مثل “جنون البقر” و”الحمى القلاعية” من ثقة المستهلكين باللحوم الحلال، ما عزز مكانتها في السوق الفرنسية.
لكن انتشار الحلال لم يخلُ من الجدل السياسي. ففي عام 2012، تحوّل إلى مادة انتخابية بارزة، إذ اعتبرته أحزاب يمينية متطرفة رمزاً لـ”الانعزال الإسلامي” وتهديداً للقيم الجمهورية، فيما وصفت مارين لوبان الذبح الإسلامي بأنه “قنبلة صحية”. كما حاولت السلطات فرض قيود جديدة مثل تشديد شروط الذبح، ما دفع مساجد كبرى في باريس وليون وإيفري إلى الاعتراض عليها.
ورغم هذه التحديات، يكشف حجم السوق عن صعوبة حصار الحلال. فوفق دراسات صحفية، تقدر قيمة سوق الحلال في فرنسا بنحو 5.5 مليارات دولار، فيما تسجل بعض الشركات مثل “إيسلا ديليس” نمواً سنوياً يصل إلى 10%. ومع ذلك، فإن الجزء الأكبر من السوق يبقى تقليدياً في المجازر الصغيرة والمطاعم، بعيداً عن رقابة المؤسسات الرسمية.
الحلال في فرنسا لم يعد مجرد “طعام”، بل تحوّل إلى ساحة صراع بين الهوية والسياسة والاقتصاد؛ فهو بالنسبة للمسلمين تعبير عن تمسك بالثقافة والدين، فيما تراه بعض الأطراف الفرنسية تحدياً للعلمانية والجمهورية، وبين هذا وذاك يبقى الحلال “منتجاً إسلامياً” عصياً على الحصار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى