أفريقيا

مسجد الخرطوم الكبير.. تحفة معمارية شاهدة على تاريخ العاصمة السودانية

مسجد الخرطوم الكبير.. تحفة معمارية شاهدة على تاريخ العاصمة السودانية

يمثل مسجد الخرطوم الكبير واحدًا من أبرز معالم العاصمة السودانية، حيث يجمع بين الأهمية الدينية والتاريخية والمعمارية، ليظل شاهدًا على تطور المدينة منذ تأسيسها في القرن التاسع عشر. يقع المسجد في قلب الخرطوم بميدان أبو جنزير، وتحيط به من الشرق قباب الحكام الأتراك ومقابرهم، فيما يطل جنوبًا على القصر الجمهوري وغربًا على شارع القصر.
وُضع حجر أساس المسجد في 17 سبتمبر/أيلول 1900، وافتُتح رسميًا في 4 ديسمبر/كانون الأول 1901 خلال زيارة الخديوي عباس حلمي للسودان، على أرض كانت جزءًا من مقابر الخرطوم القديمة. وقد جاء إنشاؤه ليعكس تخطيط المدينة الإسلامية التقليدي الذي يضع المسجد في مركز الحياة العامة، حيث مثّل المسجد الكبير القلب الروحي والعمراني للخرطوم عند اتخاذها عاصمة في العهد التركي عام 1830.
استُوحي تصميم المسجد من الطرز المعمارية للمساجد المبكرة في العراق وفارس ومصر، فجاء على شكل مربع بمساحة 45×45 مترًا، يتجه شرقًا نحو القبلة، وله ثلاثة أبواب خشبية كبيرة تعلوها أقواس مزخرفة بزخرفة الصدفة. كما يحتوي على شبابيك خشبية هندسية يعلوها مناور زجاجية، ومئذنتين شُيدتا على طراز مئذنتي السلطان المملوكي ناصر حسن بالقاهرة.
ويتسع المسجد لعشرة آلاف مصلٍّ، ويضم معهدًا لتأهيل الأئمة وحلقات لتدريس القرآن صباحًا، وأُضيفت إليه في السنوات الأخيرة ساحة الإمام مالك لتعليم العلوم الشرعية.
اعتمد البناؤون على الحجر الرملي النوبي الذي جُلب من جبل أولياء، وشارك في تشييده عمال مصريون وسودانيون، فيما استخدم الطوب الأحمر والأسود المحروق للزخرفة، والملاط لربط الحجارة. أما الأبواب والشبابيك فصنعت من الخشب، بينما استُخدم الحديد في بعض الشبابيك كحواجز.
وفي نهاية القرن العشرين، شهد المسجد عملية تجديد شملت سوره الخارجي، حيث تولى الفنيون السودانيون أعمال الترميم، فيما نفذ الحرفيون المصريون الزخارف الحجرية بدقة عالية.
إلى اليوم، يظل مسجد الخرطوم الكبير رمزًا دينيًا ومعماريًا بارزًا، يجسد ملامح العاصمة السودانية ويؤكد مكانتها كمدينة ذات جذور عميقة، وواحدًا من أهم الشواهد على تاريخها وتراثها الثقافي والإسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى