العراق

الخطاب الإعلامي في العراق.. بين حرية التعبير وضوابط الأخلاق المهنية

الخطاب الإعلامي في العراق.. بين حرية التعبير وضوابط الأخلاق المهنية

يشهد الخطاب الإعلامي في العراق تحولاً ملحوظاً مع تطور الوسائل الإعلامية وتزايد تأثيرها في تشكيل الرأي العام، وسط تحديات متصاعدة تتعلق بحدود حرية التعبير ومراعاة الضوابط المهنية والأخلاقية.
وفي هذا السياق، أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات مؤخراً بياناً رسمياً تضمن مجموعة من التوجيهات للمؤسسات الإعلامية ومعدّي البرامج، بهدف تنظيم الأداء الإعلامي وضمان بيئة حوارية صحية تحترم حرية الرأي وتتجنب التجريح والإساءة.
وأكدت الهيئة أن بعض البرامج الحوارية قد تجاوزت لائحة قواعد البث، من خلال فسح المجال أمام خطاب متشنج وتبادل الإساءات، مما أضعف قيمة النقاش الإعلامي وأضر بمهنية العمل الصحفي. ودعت جميع القنوات والمنصات الإعلامية إلى الالتزام بالمعايير المهنية، مشددة على ضرورة اعتماد معلومات دقيقة، وتجنّب الشخصنة أو التهجم اللفظي.
الخبراء القانونيون رأوا في هذا التحرك خطوة ضرورية لإعادة الانضباط إلى المشهد الإعلامي، إذ أوضح الخبير القانوني أمير الدعمي أن الخطاب الإعلامي يجب أن يلتزم بالمحددات الدستورية التي تحظر الإساءة والتحريض، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق المؤسسات التي تتجاوز هذه المبادئ.
في السياق نفسه، شدد الخبير القانوني محمد جمعة على ضرورة التمييز بين المسؤولية المهنية والأخلاقية للوسائل الإعلامية، والمسؤولية القانونية المباشرة للضيوف، مؤكداً أن المحتوى التحريضي أو الطائفي يعد جريمة يعاقب عليها القانون، ويمكن للمتضررين اللجوء إلى القضاء.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي الدكتور مسعد الراجحي أن الرقابة يجب أن تهدف إلى حماية السلم المجتمعي، لا تقييد حرية التعبير، محذراً من أن المعايير المزدوجة قد تفتح الباب أمام التضييق السياسي والإعلامي.
وتعليقاً على التوجيهات الأخيرة، وصف المحلل السياسي أحمد الهركي هذا التوجه بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح لضبط البرامج الحوارية التي انزلقت – في كثير من الأحيان – نحو التجريح والتسقيط بدلاً من تقديم محتوى موضوعي.
في المقابل، شدد رئيس لجنة الثقافة والإعلام النيابية، فاروق حنا، على دعم اللجنة لهذه التوجيهات، مؤكداً أنها تنسجم مع مبادئ الدستور والقانون، وتهدف إلى حماية المهنة وضمان عدم تحول الإعلام إلى أداة للتهجم أو التحريض.
وبينما يرى مختصون أن البرامج المباشرة تشكل التحدي الأكبر بسبب طبيعتها العفوية، يؤكد مراقبون أهمية تأهيل مقدمي البرامج وتدريبهم على إدارة النقاشات، بما يعزز المهنية ويحدّ من التجاوزات.
في ظل هذه التطورات، يُنتظر أن تُسهم التوجيهات التنظيمية الجديدة في رفع مستوى الخطاب الإعلامي في العراق، وتحقيق التوازن بين حرية التعبير وحماية الذوق العام، بما يضمن بيئة إعلامية رصينة تعكس القيم الوطنية وتدعم المسار الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى