أوروبا

في الذكرى الـ30 لمجزرة سريبرنيتسا.. جراح الإبادة الجماعية لا تندمل وذاكرة أوروبا لا تزال قاصرة

في الذكرى الـ30 لمجزرة سريبرنيتسا.. جراح الإبادة الجماعية لا تندمل وذاكرة أوروبا لا تزال قاصرة

تحلّ الذكرى الثلاثون لمذبحة سريبرنيتسا، التي وقعت في 11 يوليو/تموز 1995، واعتُبرت أسوأ إبادة جماعية شهدتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف رجل وفتى مسلم من البوشناق على يد قوات صرب البوسنة بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش.
وقعت المجزرة في ظل حرب البوسنة (1992–1995)، وبعد أن أعلنت الأمم المتحدة سريبرنيتسا “منطقة آمنة” عام 1993، لجأ إليها عشرات الآلاف من المدنيين الهاربين من المجازر، وأوكلت مهمة حمايتهم إلى قوات حفظ السلام الهولندية. لكن في صبيحة 11 يوليو، اجتاحت قوات صرب البوسنة المدينة، فيما سُلّم أكثر من 350 رجلاً إلى أيدي القتلة، وسط صمت دولي وغياب تدخل فاعل.
قُتل آلاف المدنيين، وفُصل الرجال عن النساء والأطفال عند بوابات قاعدة الأمم المتحدة في بوتوكاري، وتم اقتيادهم إلى الغابات والمناطق الجبلية حيث أُعدموا جماعياً، وما تزال مقابرهم الجماعية تُكتشف حتى اليوم. كما تعرّضت آلاف النساء للاغتصاب والانتهاك الممنهج، في إطار حملة تطهير عرقي ممنهجة.
ورغم اعتراف الأمم المتحدة رسميًا في وقت لاحق بالجريمة على أنها “إبادة جماعية”، إلا أن الاعتراف الفعلي بالتقصير الدولي كان نادراً. ففي عام 2022، قدمت الحكومة الهولندية اعتذارًا رسميًا واحدًا هو الأول من نوعه، اعترفت فيه بـ”تقصير المجتمع الدولي” في حماية سكان سريبرنيتسا.
ولا تزال هذه المجزرة، بحسب المراقبين، جرحًا مفتوحًا في ذاكرة البوسنيين، ومصدر ألم دائم لعائلات الضحايا والناجين، الذين يعيش كثير منهم اليوم في ظروف مادية ونفسية قاسية دون اعتراف قانوني شامل أو دعم حكومي كافٍ.
وفي المقابل، تنكرت السلطات في صرب البوسنة وصربيا لمسؤوليتها التاريخية، رغم أن المحكمة الجنائية الدولية أدانت الجنرال ملاديتش وقادة آخرين بجرائم الإبادة. وتراجع الموقف الرسمي الصربي لاحقًا إلى حد رفض وصف المجزرة بالإبادة، في ظل تنامي الخطاب القومي في البلاد.
أما على مستوى الاتحاد الأوروبي، فرغم اعتماد الأمم المتحدة في عام 2024 قرارًا يكرّس 11 يوليو يومًا عالميًا لإحياء ذكرى مجزرة سريبرنيتسا، فإن ثقافة التذكّر الأوروبية لا تزال تتجاهل هذه الإبادة بشكل صارخ. فلم تُدرج المجزرة حتى اليوم ضمن البيانات السنوية للمفوضية الأوروبية التي تحيي ضحايا الأنظمة الشمولية، ما يُعد، بحسب نشطاء وحقوقيين، طمسًا لذكرى ضحايا البوسنة وإهانة لعدالة لم تتحقق بالكامل بعد.
سريبرنيتسا، التي باتت رمزًا للفشل الدولي في حماية المدنيين، تُحيي اليوم ذكراها الثلاثين وسط دعوات متجددة لعدالة شاملة واعتراف أوروبي أوضح، يُنصف الضحايا ويضع حدًا لإنكار لا يزال قائمًا في بعض أركان أوروبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى