مقابر جماعية في طرابلس تكشف فظائع عقد من انتهاكات الميليشيات

مقابر جماعية في طرابلس تكشف فظائع عقد من انتهاكات الميليشيات
كشفت السلطات الليبية، خلال الأيام الماضية، عن مقابر جماعية تضم عشرات الجثث المشوهة، داخل مواقع كانت خاضعة لسيطرة “جهاز دعم الاستقرار”، في تطور صادم أعقب مقتل قائد الجهاز عبد الغني الككلي، المعروف بـ”غنيوة”، والذي ارتبط اسمه بسنوات من الانتهاكات بحق المدنيين.
وتعتبر المقبرة الجماعية التي عُثر عليها أسفل حديقة الحيوان في العاصمة طرابلس، الأبرز ضمن ما تم اكتشافه، وسط تقديرات ترجّح وجود المزيد من المقابر التي قد تخفي مصير مئات المفقودين والمخفيين قسراً منذ اندلاع النزاع المسلح في ليبيا قبل أكثر من عقد، إلى جانب ضحايا من المهاجرين المحتجزين.
وبينما تحاول الحكومة المركزية برئاسة عبد الحميد الدبيبة إبراز هذه الاكتشافات في محاولة لتخفيف الضغوط السياسية وحشد الدعم الدولي، برزت تساؤلات واسعة حول جدّية التحقيقات واحتمال الاكتفاء بتحميل الككلي وحده مسؤولية الجرائم، رغم تعقيد الملف وتورط أطراف متعددة فيه.
الناشط الحقوقي طارق لملوم، أكد أن الملف شديد التعقيد، ويتداخل فيه مصير ليبيين ومهاجرين، مشيراً إلى أن غياب الإحصاءات الرسمية ناتج عن الانقسام بين أجهزة الدولة. ولفت إلى أن فتح السجون التابعة للجهاز بعد مقتل الككلي كشف عن عشرات الجثث ومقابر جماعية، إضافة إلى تحرير عدد من المعتقلين الذين كانوا محتجزين في ظروف غامضة.
ورغم كشف هذه الجرائم، شكك لملوم في إمكانية إجراء تحقيقات شفافة في ظل تضارب صلاحيات الأجهزة الأمنية، مذكّراً بأن “جهاز دعم الاستقرار” كان قد حاز شرعية رسمية وميزانيات ضخمة، وكان مقر وزارة الداخلية يجاور أحد معاقل الجهاز الذي شهد كثيراً من الانتهاكات.
من جهته، لم يستبعد لملوم تدخل المحكمة الجنائية الدولية في هذا الملف، خاصة مع وجود مذكرات توقيف سابقة بحق قيادات ميليشياوية، بينهم الككلي، مطالباً الحكومة والنائب العام بالسماح للمحققين الدوليين بالدخول والاطلاع على الشهادات والضحايا.
بدوره، شدد أستاذ القانون الدكتور راقي المسماري على أن الككلي يتحمل مسؤولية مباشرة عن الجرائم التي ارتكبتها قواته، لكنه اعتبر أن المسؤولية تمتد أيضاً إلى القيادات السياسية والأمنية التي منحت الجهاز شرعيته، مضيفاً أن “الكثير من الشهادات التي ظهرت بعد اغتياله تصطدم بروايات الضحايا، مما يستدعي تحقيقات قانونية دقيقة تحدد الفاعلين الحقيقيين وتحاسب المحرضين والمتسترين”.
ويخلص المسماري إلى أن طرابلس تعاني من “سيولة أمنية وفوضى في السلاح، ما دام غير المهنيين يتولون رئاسة الأجهزة الأمنية، في غياب منظومة واضحة للمحاسبة والتراتبية القانونية”.
ويُتوقع أن يفتح ملف المقابر الجماعية الباب واسعاً لمطالبات حقوقية وشعبية بالكشف عن مصير آلاف المفقودين في ليبيا، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي وُثقت على مدى سنوات، دون أن تلقى محاسبة حتى الآن.