أخبارأوروبا

الحضور الإسلامي يُشكّل ملامح برمنغهام الحديثة: نموذج للتعايش والتنوع في قلب بريطانيا

في مدينة برمنغهام البريطانية، لا يمكن إغفال الحضور الإسلامي المتنامي الذي بات سمة بارزة في ملامحها العمرانية والثقافية والاجتماعية، حيث تُجسّد المدينة نموذجًا حضاريًا للتعددية الدينية والاندماج السلمي. ففي الوقت الذي تروّج فيه بعض المنصات خطابًا مشحونًا حول “الاستيلاء الديمغرافي”، تؤكد الحقائق على الأرض أن برمنغهام تحتضن أحد أكبر المجتمعات الإسلامية في المملكة المتحدة، في انسجام مع باقي مكوّنات المدينة.
تشهد المدينة تنوعًا لافتًا يظهر في المساجد العامرة، والمدارس الإسلامية، والأسواق الشرقية النابضة بالحياة، إلى جانب مراكز مجتمعية تقدّم خدمات دينية وثقافية وتعليمية لأبناء الجالية. ويؤكد مراقبون محليون أن الحضور الإسلامي ليس طارئًا على المدينة، بل هو نتيجة طبيعية لعقود من الهجرة والتراكم الاجتماعي والثقافي، في ظل بيئة ديمقراطية سمحت بمشاركة الجميع في صياغة المشهد الحضري والحياتي.
وفي الأحياء ذات الغالبية المسلمة، ترتفع المآذن إلى جانب المؤسسات التعليمية والتجارية، دون أن يشكّل ذلك أي تناقض مع هوية المدينة، بل يعكس انسجامًا ثقافيًا متينًا. ويؤكد سكان من أصول متعددة أن التعايش بين المسلمين وغيرهم يقوم على احترام متبادل وتكامل يومي في المدارس وأماكن العمل وسائر مفاصل الحياة العامة.
وتحاول بعض الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي تصوير هذا التحول كمؤشر على “تغيّر مقلق” في هوية المدينة، لكن مراقبين اعتبروا هذه الخطابات انعزالية وتفتقر إلى الدقة، محذرين من أن الترويج لنظرية “الاستيلاء” يهدد وحدة النسيج الاجتماعي ويغفل حقيقة أن المسلمين البريطانيين أثبتوا، عبر مشاركتهم المدنية والتزامهم بالقانون، أنهم جزء أصيل في تعزيز استقرار المملكة المتحدة.
ويرى المراقبون أن الإسلام، بقيمه التي تدعو إلى احترام الآخر والتفاعل الإيجابي مع المجتمع، لعب دورًا كبيرًا في دمج الجالية الإسلامية في الحياة العامة، حيث تساهم في الاقتصاد، والتعليم، والخدمة العامة، فضلًا عن دورها في الدفاع عن القيم الديمقراطية ورفض كل أشكال التطرف والانقسام.
وبرغم التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المدينة، يشدد المتابعون على ضرورة معالجة هذه التحديات ضمن سياقاتها الحقيقية المرتبطة بالسياسات والإدارة، لا من خلال إلقاء اللوم على مكوّن ثقافي أو ديني بعينه.
في نهاية المطاف، تبرهن برمنغهام على أن الحضور الإسلامي ليس تهديدًا، بل ركيزة من ركائز تعددها الثقافي، وقوة ناعمة تسهم في صياغة مستقبل مشترك قائم على الانفتاح والتعايش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى