أخبارأوروباالعالم

تصاعد الإسلاموفوبيا في فرنسا.. الكراهية تُزهِق الأرواح والمسلمون بين الاستهداف والصمت

أثارت جريمة مروعة راح ضحيتها مواطن فرنسي مسلم طُعن حتى الموت داخل مسجد في قرية جنوبي فرنسا، موجة استنكار واسعة وأعادت إلى الواجهة تساؤلات ملحّة بشأن تفاقم الإسلاموفوبيا في البلاد، لا سيما وسط اتهامات للإعلام والنخبة السياسية بالمساهمة في تأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين.
الجريمة التي دانها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سلطت الضوء مجددًا على مدى خطورة التحريض المتصاعد الذي تجاوز خطاب الكراهية والتمييز إلى اعتداءات جسدية تودي بالأرواح. وتُظهِر الحادثة أن المسلمين في فرنسا يعيشون تحت ضغط متزايد وسط أجواء من القلق والخوف، في ظل تصاعد الموجات الشعبوية واليمينية التي تتبنى خطابًا معاديًا للإسلام.
وتعد فرنسا موطنًا لأكبر جالية مسلمة في أوروبا، فيما تُسجَّل فيها من أعلى معدلات حوادث معاداة المسلمين. فبحسب بيانات وزارة الداخلية الفرنسية، وقعت 173 حادثة معادية للمسلمين خلال عام 2024، معظمها اعتداءات مباشرة، رغم انخفاض العدد مقارنة بـ242 حالة تم تسجيلها في 2023. أما منظمة الجماعة المناهضة للإسلاموفوبيا في أوروبا، فقد وثقت وقوع 527 حادثة من هذا النوع في 2022، 95% منها في فرنسا وحدها.
وتنقل تقارير ميدانية أن مشاعر الريبة تجاه المسلمين، وخصوصًا المنحدرين من أصول شمال أفريقية، دفعت بعضهم إلى الصمت تفاديًا للاتهام بالتطرف، بينما اختار آخرون مغادرة فرنسا نتيجة الأجواء السلبية، خصوصًا في المناطق الشمالية حيث سبق أن شهدت مساجد عمليات تدنيس وحرق.
وتواجه مفردات مثل “الإسلاموفوبيا” رفضًا متزايدًا في الخطاب السياسي الفرنسي، حيث يُتَّهم من يستخدمها بأنه يدعم “الإسلاموية” أو يتواطأ مع جهات متطرفة، مما زاد من تهميش أصوات المسلمين في الفضاء العام. ويفضل السياسيون والإعلاميون استخدام تعابير بديلة مثل “الكراهية ضد المسلمين”، وسط تصور سائد بأن الحديث عن الإسلاموفوبيا يشكل تهديدًا لحرية التعبير.
وتحولت الانتقادات الموجهة إلى المسلمين، حتى المتعلق منها بإبداء الرأي حول السياسات العامة أو العلمانية، إلى مبررات لإقصائهم، في وقت تتزايد فيه الأصوات داخل المجتمع المدني التي تطالب بالتصدي لمظاهر الكراهية بشكل جاد. وفي هذا السياق، شارك عدد من قادة الأحزاب اليسارية، مثل جان لوك ميلانشون ومارين توندولييه، في مظاهرة احتجاجية تندد بالجريمة، فيما تجمّع محتجون في ساحة الجمهورية بباريس مطالبين السلطات الفرنسية باتخاذ خطوات فعلية لحماية المسلمين من الاعتداءات، وتوفير الأمن لأماكن عبادتهم.
واتهم المتظاهرون الحكومة بالتقاعس، كما حمّلوا وسائل إعلام وأحزابًا سياسية مسؤولية التحريض، مؤكدين أن الإسلاموفوبيا باتت تُستخدم كأداة سياسية لأغراض انتخابية. وعبّر المحتجون عن خشيتهم من أن تتحول هذه الجرائم إلى وقائع اعتيادية لا تلقى ما تستحقه من محاسبة أو رفض.
وفي مقالة نُشرت سابقًا في صحيفة “لوموند”، رأى البروفيسور جان فرانسوا بايار أن الإسلاموفوبيا في فرنسا “محمية رسميًا” من الدولة، مستشهدًا بتمييز تمارسه الأجهزة الأمنية بحق الشباب من أصول إسلامية. وأضاف أن الدولة التي تدّعي الحياد الديني تمارس ما أسماه بـ”العلمانية الإيجابية” حين يتعلق الأمر بالمسيحية واليهودية، بينما تسعى لإخضاع الإسلام للوصاية بحجة “تنويره”.
ولا تقف الظاهرة عند حدود فرنسا، إذ كشف تقرير لوكالة حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي عن تزايد حاد في مشاعر العداء تجاه المسلمين في أوروبا عمومًا بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023، ووفق استطلاع شمل 13 دولة أوروبية، أفاد نحو نصف المسلمين بتعرضهم للتمييز، وهي نسبة أعلى بكثير من تلك المسجلة في 2016.
وبينما تستمر عمليات التنديد من مؤسسات حقوقية وأوساط مدنية، يبقى القلق قائمًا من توسع الإسلاموفوبيا وتحولها إلى عنف مبرمج، ما لم تُواجه بخطوات حقيقية وجادة تحترم الحريات الدينية وتحمي المسلمين من العنف والتمييز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى