أخبارالعالم

الرموز الدينية في المناصب العامة: أوروبا أمام مشهد قانوني وثقافي منقسم

عاد الجدل حول حدود الحرية الدينية في المؤسسات العامة إلى الواجهة في أوروبا، مع تصاعد النقاش السياسي في ألمانيا حول إلغاء قانون الحياد في برلين، الذي يمنع الموظفين العموميين من ارتداء الرموز الدينية الظاهرة أثناء تأدية مهامهم الرسمية، مثل الحجاب أو الصليب أو العمامة.
المقترح الذي تقدّمت به الكتلة البرلمانية لحزب الخضر في البوندستاغ، أعاد تسليط الضوء على التباين الكبير في تعاطي الدول الأوروبية مع هذه القضية الحساسة، التي تتقاطع فيها اعتبارات الهوية الوطنية والتعددية الدينية ومبادئ الحياد المؤسسي.
وفي فرنسا، تُطبَّق أشد السياسات صرامة، حيث تُحظر الرموز الدينية على جميع موظفي القطاع العام استنادًا إلى مبدأ العلمانية الصارمة، التي تُعد ركيزة أساسية في النظام الجمهوري. أما في بلجيكا، فقد حُظر النقاب منذ عام 2011، بذرائع تتعلق بالأمن العام وتعزيز الاندماج، وهي مقاربة صادقت عليها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لاحقًا.
وعلى النقيض من هذا النهج المتشدد، تتبنى دول كإسبانيا والسويد والبرتغال مواقف أكثر مرونة. ففي إسبانيا، لا يوجد قانون وطني يحظر الرموز الدينية، ما يترك القرار للمؤسسات التعليمية نفسها، بينما تسمح البرتغال بفرض زي محايد بشرط تطبيقه دون تمييز.
وفي هولندا والدنمارك والنمسا، طغت المخاوف الأمنية والاجتماعية على النقاش القانوني، حيث أُقرت قوانين تحظر تغطية الوجه في أماكن عامة محددة أو بشكل شامل، في حين أبطلت المحكمة الدستورية النمساوية محاولة توسيع الحظر ليشمل الفتيات الصغيرات، مؤكدة أن ذلك يشكّل انتهاكًا لمبدأ المساواة.
ويكشف هذا المشهد الأوروبي المنقسم عن غياب توافق قانوني وثقافي واضح بشأن التعبير الديني في الفضاء العام، لا سيما ما يتعلق بالحجاب، الذي لا يزال محور صراع رمزي في عدد من المجتمعات الأوروبية. فبين من يراه تهديدًا للحياد ومن يعتبره جزءًا من الحقوق الفردية، تبقى معادلة التوفيق بين القيم الدستورية والتعددية الدينية واحدة من أعقد تحديات أوروبا المعاصرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى