أخبارالعالم الاسلاميالعراقالمرجعية

مدرسة المجدّد الشيرازي في سامراء.. إشراق علمي وتجديد فكري أعاد للمدينة ألقها

استعادت مدينة سامراء العراقية مكانتها العلمية والثقافية خلال القرن الثالث عشر الهجري بفضل النهضة الكبرى التي قادها المرجع الديني الأعلى السيد المجدّد الميرزا محمد حسن الشيرازي (1230–1312هـ)، أحد أبرز مراجع التقليد وأعلام الفقه والأصول في العالم الإسلامي، والذي امتد تأثيره العلمي والاجتماعي إلى ما وراء حدود العراق.
فمنذ انتقاله إلى سامراء، عمل المجدّد الشيرازي على تأسيس مؤسسة علمية دينية كبرى تمثّلت في مدرسته المعروفة التي وضع حجر أساسها عام 1308هـ، وجعل منها منارة علمية استقطبت كبار العلماء وطلبة العلوم الدينية من شتى البلاد الإسلامية، حتى غدت سامراء في عصره مركز إشعاع شيعي وفكري بارز.
وقد تخرّج في هذه المدرسة كوكبة من العلماء الأعلام، من أبرزهم الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي الحائري، قائد ثورة العشرين في العراق، والسيد محمد الفشكاري الأصفهاني، والشيخ آغا بزرك الطهراني، وغيرهم من المجتهدين البارزين الذين نهلوا من فكر المجدّد وتتلمذوا على يديه.
ومع ما أحدثه من حراك علمي واسع، واجه الإمام الشيرازي تحديات سياسية، خاصة بعد تزايد حضور الفكر الشيعي في سامراء، مما أثار قلق الدولة العثمانية التي سعت إلى الحد من هذا النفوذ عبر إنشاء مدارس رسمية تابعة للطرق الصوفية، لكن ذلك لم يثنِ الإمام عن مواصلة مشروعه الإصلاحي والعلمي.
وقد بقيت مدرسة المجدّد الشيرازي فاعلة حتى بعد وفاته، بفضل استمرار تلاميذه الأوفياء في إحياء رسالته، وعلى رأسهم الميرزا محمد تقي الشيرازي الذي تولى مسؤولية الدرس والبحث والفتوى حتى عام 1917م، حين اضطر إلى مغادرة سامراء إثر الاحتلال البريطاني ونقل نشاطه إلى كربلاء.
ولم يكن المجدّد الشيرازي فقيهاً فقط، بل كان قائداً اجتماعياً ومصلحاً سياسياً، وكان لموقفه المشهود من معاهدة امتياز التبغ في إيران (1891-1892م) أثر بالغ في إسقاط الاتفاقية التي كادت أن ترهن مقدرات البلاد للأجانب، حيث أصدر فتواه الشهيرة بتحريم التبغ، والتي دوّى صداها في أرجاء العالم الإسلامي، وأجبرت الشركة المحتكرة على التراجع عن الصفقة.
كما عُرف الإمام الشيرازي بتواضعه وتقديره للعلماء والأدباء، ويُروى عن موقفه مع الشاعر السيد حيدر الحلي صورة ناصعة عن سمو أخلاقه وعلو منزلته، حين أكرمه بزيارة خاصة ومكافأة كبيرة وأبى إلا أن يكرّم الأدب والموقف بإجلال.
وقد ألّف عدد من العلماء في سيرة المجدّد، من أبرزهم تلميذه الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه “هدية الرازي”، الذي وصف فيه الشيرازي بأنه بلغ قمة الزعامة الدينية، وأن الملايين من المسلمين قدّسوه وأذعنت له الملوك إجلالاً وهيبة.
من سامراء، بدأ المجدّد الشيرازي مسيرة تجديد مذهبي واجتماعي، وسجّل صفحات ناصعة في تاريخ الفكر الشيعي، لتبقى مدرسته شاهدة على عصر ذهب فيه العلم والدين جنباً إلى جنب في صناعة الوعي والنهضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى