
تعد مدينة آشور أولى العواصم الآشورية، ومركزًا دينيًا وسياسيًا بارزًا على مدى العصور، حيث كانت موطن الإله القومي لبلاد آشور، وظلت تتمتع بقدسية خاصة لدى جميع الملوك الآشوريين، حتى أولئك الذين اتخذوا غيرها من المدن عاصمة لهم.

تقع أطلال آشور، المعروفة بـ”قلعة الشرقاط”، على بعد 110 كيلومترات جنوبي مدينة الموصل، وتتميز بموقعها الاستراتيجي فوق مثلث من الأرض الصخرية المرتفعة، مشرفةً على وادي نهر دجلة من جهتيها الشمالية والشرقية. وقد خضعت المدينة للتنقيب لأول مرة من قبل بعثة ألمانية بين عامي 1903 و1914، ثم استؤنفت أعمال التنقيب فيها عام 1978 على يد مؤسسة الآثار العامة.

يرجع تاريخ مدينة آشور إلى العصور الحجرية، حيث بدأت كمستوطنة زراعية، ثم نمت وتوسعت خلال فترات التبعية للسومريين والأكديين. وعلى الرغم من انتقال العاصمة الآشورية لاحقًا إلى مدن أخرى مثل نينوى وخرسباد وكالح، فإن آشور احتفظت بمكانتها المتميزة، حيث كانت مقر تتويج الملوك الآشوريين ومكان دفنهم، وظل سكانها يتمتعون بامتيازات خاصة على مر العصور.

في العصر الآشوري الحديث، أولى الملوك اهتمامًا كبيرًا بتعمير معابدها وإنشاء القصور الفخمة، ومن بينهم الملك سنحاريب، الذي شيد دارًا ضخمة للحفلات السنوية. كما كانت المدينة تضم عددًا من المعابد المكرسة لأهم الآلهة الآشورية، بالإضافة إلى حصن آشور الشهير وزقورته الضخمة، إلى جانب زقورتين أخريين أصغر حجمًا.
بحلول أواخر العصر الآشوري الحديث، تعرضت المدينة لتراجع كبير، حيث تهدمت أسوارها وضعفت تحصيناتها، مما جعلها غير قادرة على مقاومة القوات الكلدية والميدية التي هاجمتها عام 614 ق.م، أي قبل سقوط نينوى بسنتين. وعلى الرغم من ذلك، استمرت آشور كبلدة صغيرة خلال العصور اللاحقة، لكنها هجرت بالكامل مع نهاية العهد الفرثي.
تعد آشور أصغر العواصم الآشورية الأربع، حيث لم تتجاوز مساحتها 240 دونمًا، وكانت محاطة بسورين محصنين بأبراج ضخمة تتخللهما ثلاثة عشر بوابة. وكانت القصور والمعابد تتركز في القسم الشمالي من المدينة، مما جعلها مركزًا للحكم والدين عبر مختلف الحقب التاريخية.
ورغم اندثار آشور، إلا أن أطلالها لا تزال شاهدة على عظمة الحضارة الآشورية، حيث تمثل موقعًا أثريًا بارزًا يروي فصولًا مهمة من تاريخ بلاد الرافدين القديم.