العنف الطائفي في باكستان.. صراع عابر للحدود والعقود يهدد السلام في إقليم كورام
تشهد باكستان منذ عقود أعمال عنف طائفي مستمرة بين السنة والشيعة، خاصة في المناطق الحدودية مثل إقليم كورام، الذي لطالما اعتبر بؤرة لهذا الصراع. ففي ظل نزاعات قديمة على الأراضي وعجز السلطات المحلية والفيدرالية عن احتواء الأزمة، تتصاعد المخاوف من استمرار هذه الدوامة التي تحصد أرواح الأبرياء وتهدد الاستقرار في المنطقة.
منذ يوليو الماضي، تشير تقارير إلى مقتل أكثر من 212 شخصاً في كورام نتيجة لتجدد الاشتباكات الطائفية. وعلى الرغم من سلسلة اتفاقات أبرمت على مدى عقود برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وأحياناً عسكريين، إلا أن هذه الاتفاقات ظلت عرضة للانتهاك، مما يعكس ضعف الدولة في معالجة جذور الأزمة.
أعمال العنف الأخيرة تأججت في 21 نوفمبر عندما تعرضت قافلة تقل عائلات شيعية بحماية الشرطة إلى هجوم مسلح من قبل مجهولين، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، ليجد السكان أنفسهم مرة أخرى في دوامة من الانتقام والعنف المتبادل.
غياب الثقة بالدولة وتراجع دور المجالس القبلية
إقليم كورام، الذي ضُمّ رسمياً إلى باكستان في 2018 بعد أن كان ضمن المناطق القبلية تحت الإدارة الفيدرالية، يشهد نزاعات متشابكة بين الطابع المحلي للطائفية والنفوذ الإقليمي لجماعات تدعمها أطراف خارجية.
تشكل الجغرافيا النائية للإقليم عاملاً مساعداً لاستمرار الصراع، إذ إنه يقع عند حدود أفغانستان ويُعد ساحة للنزاع بين ميليشيات شيعية مدعومة من إيران وجماعات سنية تتلقى دعماً خارجياً.
العنف الطائفي في كورام لا يقتصر على التدمير المادي، بل يمتد إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وقتل أحلام الأجيال. فاطمة أحمد، أرملة شابة فقدت زوجها في الهجوم الأخير، تقول: “لم يقتلوا زوجي فقط، بل قتلوا كل أحلامي معه.”
مع استمرار هذا الصراع، تبرز حاجة ملحّة إلى دور أكثر فعالية من الحكومة الباكستانية، ليس فقط في حماية المدنيين، بل أيضاً في معالجة جذور الأزمة. كما أن المجتمع الدولي مطالب بالتحرك لمنع تفاقم الأوضاع في هذه المنطقة التي تمثل نقطة التقاء حساسة بين المصالح الإقليمية والتوترات الدينية.
الصراع في كورام هو تذكير مؤلم بأن العنف الطائفي لا يزال يشكل تهديداً وجودياً لمناطق بأكملها، ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة لتحقيق السلام العادل والمستدام.