تنتشر في العاصمة نيامي مئات الكتاتيب، أو “ماكارانطا” كما تسمى باللغة المحلية، حيث يعتبر حفظ القرآن الكريم في الصغر رمزًا للهوية الثقافية والدينية في النيجر. تعود جذور انتشار الكتاتيب إلى ما بعد استقلال النيجر، وإن كانت قد شهدت تغييرات طفيفة على مر الزمن.
وتضم نيامي حوالي 50 كُتّابًا داخليًا وأكثر من خمسمائة كُتّاب عادي. ومع ذلك، لا توجد كتاتيب داخلية في مدن مثل طاوة وزيندر وتيفا، حيث يفضل الأهالي هناك إرسال أبنائهم إلى نيجيريا لتعلم القرآن.
ومن التقاليد المميزة التي كانت تمارس في الكتاتيب، هي إقامة الولائم عند إتمام التلاميذ أجزاء من القرآن الكريم. كان كل من يتم حفظ حزب “سبّح” يقيم وليمة داخل الكتّاب، وتستمر الولائم عند حفظ كل جزء حتى ختم القرآن الكريم، حيث تحتفل أسرة الطالب بوليمة كبيرة في المنزل ويكرم كالعريس.
ورغم الدور التاريخي والثقافي المهم للكتاتيب، تواجه هذه المؤسسات تحديات كبيرة اليوم. لا تعترف الحكومة النيجرية سوى بشهادات المدارس النظامية، ولا تسمح لخريجي الكتاتيب بالحصول على وظائف حكومية، حيث يعتبرون غير مؤهلين بسبب عدم تلقيهم دروسًا في التربية الجنسية والبدنية وعدم إتقانهم للغة الفرنسية التي تشدد عليها المناهج الحكومية.
وفي ظل غياب الدعم الحكومي، تعتمد الكتاتيب على صدقات أغنياء القبائل والتبرعات من الجمعيات الخيرية التابعة لدول عربية لبناء المساجد التي تستخدم كفضاءات لتعليم القرآن وتدريس علومه. ورغم التحديات التاريخية والمعاصرة، تظل الكتاتيب جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي في النيجر.
وتحافظ غالبية الأسر على تقليد إرسال أبنائها إلى الكتّاب قبل التحاقهم بالمدارس النظامية، إيمانًا منهم بأن “حفظ القرآن في الصغر كالنقش على الحجر”. تستمر الكتاتيب في تقديم دورها الحيوي في تعليم الأجيال الشابة القرآن الكريم، مما يعزز الهوية الدينية والثقافية في المجتمع النيجرى.