تزخر إسبانيا بالعديد من الأماكن السياحية الإسلامية، التي يعود تاريخها إلى عهد حكم المسلمين للأندلس، هذه الأماكن أصبحت مزاراً سياحياً مهماً في كل من إسبانيا وأوروبا بشكل عام، من بين هذه الأماكن نجد مسجد “المنستير لا ريال” “Almonaster La Real” في الريف الإسباني، والذي يعتبر من أقدم المساجد في أوروبا.
آخر مسجد في الريف الإسباني
حسب موقع “barcelo” يعتبر مسجد “المنستير لا ريال” هو آخر المساجد الريفية المتبقية في إسبانيا، إذ شهد هذا الأخير على العديد من الغزوات لشبه الجزيرة على مدار آلاف السنين، لم يتغير الشكل الأساسي كثيراً منذ بنائه خلال القرن العاشر.
بُني المسجد في القرن العاشر أثناء الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الأيبيرية، وتم تحويله لاحقاً إلى كنيسة بعد الاحتلال المسيحي للمنطقة خلال القرن الثالث عشر.
لا يمكن الوصول إلى رواق “مديجار”، التابع لمسجد المنستير لا ريال، إلا عن طريق التسلق إلى قمة سلسلة جبال “Sierra de Aracena”، تمتد الطبيعة حول المسجد لتحتضنه وترسم لوحة بديعة أمام زواره.
في أعلى تلة بالقرية، حيث يغطي الجبال شجر الكستناء والبلوط، بُني المسجد في العهد الأموي، وكان جزءاً من قلعة المنستير التي سكنها قديماً كل أهل القرية، واحتموا بها من غارات البرتغاليين.
كان المسجد في البداية بناية رومانية يعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي، ثم شيد على أنقاضها خلال القرن الخامس كنيسة شيدها القوط الغربيون، عند حكمهم لإسبانيا، استمر البناء على شكل كنيسة إلى حدود القرن العاشر الميلادي.
تحولت الكنيسة إلى مسجد خلال عهد الأمويين، ثم أعيدت كنيسة في القرن الثالث عشر بعد سقوط الأندلس، يوجد بجانب المسجد قلعة وحلبة مصارعة، إلا أن القلاع فقدت أهميتها مع بداية القرن الخامس عشر.
لم يلحق مسجد المنستير لا ريال أي أذى أو تخريب، مقارنةً مع المساجد التي كانت موجودةً في الريف الإسباني، إلا أنه تضرّر قليلاً بسبب بعض الكوارث الطبيعية التي ضربت المنطقة، من بينها زلزال تسبب في هدم جزء من ساحة الصلاة، الذي أُعيد ترميمه بعد ذلك.
تغيير معالم مسجد Almonaster La Real إلى كنيسة
تحوّل مسجد المنستير لا ريال إلى كنيسة، إذ أُضيف إليه برج صغير، بالإضافة إلى الصليب الموضوع أعلى الصومعة، الذي لا يزال يعتليها منذ ذلك الحين، يلفت هذا المنظر كلاً من أهل القرية وزوارها، لكنه بقي إشارة إلى تاريخ المسجد والاحترام والتسامح بين الأديان.
خضع المسجد لترميمات استُوحيت من الهندسة المعمارية العربية، وتحوّل إلى مسجد مرة أخرى، وتم تسجيله عام 1931 معلماً تاريخياً دولياً، ومع عودة الديمقراطية إلى إسبانيا تم ترميمه عام 1975، وفُتحت أبوابه منذ ذلك التاريخ أمام المصلين لأداء الصلاة.
يجمع المسجد بين الطراز الإسلامي والمسيحي والروماني في آنٍ واحد، ما يجعل منه أحد التحف الفنية والمعمارية المميزة، تبلغ مساحته قرابة 120 متراً مربعاً، ويتميز ببساطته ودقة بنائه.
ظلت قرية المنستير لا ريال شاهداً حياً على التاريخ الأندلسي في إسبانيا، ويشير كل معلم فيها إلى مرور المسلمين بها، وهي تحتفظ اليوم بالمسجد الريفي الوحيد الذي بقي من الآثار العربية في إسبانيا، وتُقام فيه الصلاة إلى اليوم، وهو أقدم مساجد أوروبا، وقد احتضن أهلها معالم الثقافة الإسلامية، فبقي المسجد في أعلاها، واحتفل أهل القرية عام 1990 بمرور ألف عام على تشييده.
ليالٍ أندلسية في قرية المنستير لا ريال
حسب موقع “eldiario” الإسباني، يحتفل سكان البلدة خلال أربعة أيام في السنة بجدورهم الأندلسية، إذ تقطع الطرق وتنصب الخيام والأكشاك الأندلسية، كما يرتدي الباعة اللباس الأندلسي التقليدي، إذ تتحول القرية من القرن الـ21 إلى عهد الأندلس.
يقام هذا المهرجان كل سنة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، فيما تخصص عدة أنشطة واحتفالات خلال تلك الأيام التي انطلقت فعلياً سنة 1990، ويحتضن المسجد حواراً ثقافياً بين المسيحية والإسلام، يعزز التعايش بين الثقافات، فتُعقد فيه المحاضرات والندوات في موضوعات عديدة، يتابعها المسلمون الإسبان الذين يفدون لحضور هذه الأيام.
في تلك الأيام تقام حفلات للشاي المرفوق بأنواع مختلفة من الحلويات الأندلسية التي تفنن سكان المنطقة في صناعتها، كما تُقام عروض الخيل والمسرح والموسيقى، ومن بين أهم الأنشطة هي تلك المخصصة للأطفال الذين يتسابقون لركوب الحمير من أجل الوصول إلى أعلى التلة.