المرجعية

سماحة المرجع الشيرازي : سيرة العلماء الأتقياء قدوتنا في إقامة الشعائر الحسينية والحفاظ عليها

على أعتاب حلول شهر محرّم الحرام 1436 للهجرة, وذكرى استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه, وكالسنوات السابقة, ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, كلمة قيّمة بوفود العلماء والفضلاء والمبلّغين, الذين وفدوا على بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة, يوم أمس الأربعاء الموافق للسابع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام 1435 للهجرة (22تشرين الأول/أكتوبر2014م), للاستفادة من توجيهات سماحته فيما يرتبط القضية والشعائر الحسينيتين المقدّستين، إليكم نصّها: 

على أعتاب حلول شهر محرّم الحرام 1436 للهجرة, وذكرى استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه, وكالسنوات السابقة, ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, كلمة قيّمة بوفود العلماء والفضلاء والمبلّغين, الذين وفدوا على بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة, يوم أمس الأربعاء الموافق للسابع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام 1435 للهجرة (22تشرين الأول/أكتوبر2014م), للاستفادة من توجيهات سماحته فيما يرتبط القضية والشعائر الحسينيتين المقدّستين، إليكم نصّها: 

 

أعزّي السادة العلماء والمدرّسين والوعّاظ والمؤمنين الكرام في كل نقطة من نقاط العالم خصوصاً المظلومين والضعفاء والمستضعفين، وهكذا لجميع الموجودات، فهي تحزن لمصاب مولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه، كما حزنت من قبل والآن وفي المستقبل. ومقدّماً علي ذلك أعزّي مولانا وسيدنا بقيّة الله الإمام المهديّ الموعود بمناسبة قرب أيام عاشوراء الحسين صلوات الله عليه وشهري المصيبة والعزاء محرّم وصفر، وأسأل الله تبارك وتعالى بلطفه وعنايته أن يمنّ علي الجميع بالتوفيق أكثر وأكثر لإقامة الشعائر الحسينية المقدّسة قدر إمكانهم، علماً بأن مصيبة عاشوراء لا يمكن جبرها أبداً. وفي هذا الصدد عندنا الكثير من الروايات المتواترة من الخاصّة والعامّة، مع ذلك علي كل واحد أن يحيي الشعائر الحسينية المقدّسة، قدر إمكانه وقدرته. 

 

الله أراد الخلود للحسين 

في الحديث الشريف المعروف والمتواتر الذي نقله الخاصّة والعامة عن مولانا النبي الكريم صلى الله عليه وآله، أنه: (مكتوب علي يمين العرش إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة). 

 

إنّ كل الأنبياء مصباح هدى وسفينة نجاة، وكل أولياء الله تعالى مصباح هدى وسفينة نجاة، وكل العلماء الأتقياء هم مصباح هدى و سفينة نجاة، وكل رجل مؤمن وامرأة مؤمنة، في حدودهما، هما مصباح ووسيلة للنجاة، ولكن جاء هذا المعني أو هذا القول بأنه (مكتوب علي يمين العرش) للإمام الحسين صلوات الله عليه فقط وحسب. ولا شكّ، وكما ذكرت سابقاً وكرّرته وأكرّر الآن، أن أربعة أشخاص من مجموع خلائق ومخلوقات الله تعالى هم أفضل من الإمام الحسين صلوات الله عليه، وهم جدّه وأبيه وأمّه وأخيه صلوات الله عليهم، ولكن لم يرد بحقّهم كما ورد بحقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه، أي لم يرد (إنّ محمداً مصباح هدي وسفينة نجاة). وكذلك لم يرد مثل ذلك بحقّ الإمام أمير المؤمنين أو السيدة الزهراء أو الإمام الحسن المجتبي صلوات الله عليهم. فلم أجد مثل ذلك ولم أسمع به. ولكن هذا القول (إن الحسين مصباح هدي وسفينة نجاة) قد قاله النبي صلى الله عليه وآله. فلماذا اختصّ الإمام الحسين صلوات الله عليه بذلك دون المعصومين الأربعة صلوات الله عليهم من قبله؟ 

 

إن هذه مشيئة أزلية جعلها الله تعالى، وهي بأن تكون مصيبة الإمام الحسين صلوات الله عليه نموذجاً فريداً وانحصارياً للمصيبة والعزاء في عالم الوجود. 

 

الإسلام حسيني البقاء 

لا شكّ أن مصائب رسول الله صلي الله عليه وآله كانت كبيرة كما قال صلي الله عليه وآله: (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت)، وكذلك كانت كبيرة مصائب السيدة الزهراء صلوات الله عليها، وكذلك مصائب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كانت كبيرة، سواء في زمن مصائب السيدة الزهراء أو من بعدها، وهكذا كانت مصائب الإمام الحسن صلوات الله عليه، ولكنهم هم الذين قالوا: (لا يوم كيومك ياأبا عبد الله). والسرّ في ذلك هو أن المشيئة الأزلية لله تبارك وتعالى قد تعلّقت بأن يكون الإمام الحسين صلوات الله عليه رمز المصيبة ورمز التضحية ورمز الفداء، ورمز لكل مصيبة وعزاء. ولهذا ذكر العلاّمة الأميني في الغدير وكذلك ذكر سائر كبار العلماء وغيرهم بأن (الإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء). فالنبي صلي الله عليه وآله أسّس الإسلام في يوم الغدير كما في قوله تعالى: (ورضيت لكم الإسلام ديناً)، لأنه قبل الغدير لم يكن الإسلام، مع أنه كانت الشهادتين، ولكن تم التأكيد بنحو الوجوب علي الشهادة الثالثة. وهذا الإسلام صمّم بنو أمية بالقضاء عليه، حتي قال معاوية: دفناً دفناً. وقد حاولوا كثيراً وصرفوا جهوداً كبيرة ومنها ما قاموا به من تعبئة شاملة وواسعة وكبيرة في يوم عاشوراء. 

 

في الواقع لولا عاشوراء لما بقي الاسلام. نعم إن الله تبارك وتعالى أرسل الألوف من الأنبياء (وكما في الروايات 120 ألف نبيّ) وكلّهم كانوا مصابيح هدي وسفينة نجاة وتعرّضوا للمشاكل، وهؤلاء قد اختارهم الله سبحانه وتعإلى، ولكن لم يبقى اسم الكثير منهم. وأما الإمام الحسين صلوات الله عليه فإنّه بتضحيته أبقى الإسلام وحافظ علي الأئمة صلوات الله عليهم من بعده. فلم يكن المبنى عند الله تعالى أن يقوم بالمعجزة دوماً، فالإمام الحسين صلوات الله عليه قتل ولم تحدث أية معجزة من قبل الله تعالى، ولكن الله تبارك وتعالى شاء بأن يكون شأن القضية الحسينية المقدّسة هو: (فليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد إلاّ علوّاً). 

 

عالمية الشعائر الحسينية 

في يوم استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه (كما في الروايات) أمر إبليس جنوده بأن يقوموا بالتشكيك. واستمرت هذه التشكيكات في زمن الأئمة، واتّسعت في زمن الغيبة الصغري لمولانا بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف، واستمرت إلى يومك هذا وستستمر. فالجميع يجب أن يمتحنوا في القضية الحسينية المقدّسة. وهنا أري أن أذكر نقطة مهمة وهي ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (ولقد أخذ الله ميثاق اُناسٍ مِن هذه الاُمّة لا تعرفهم فَراعِنَة هذه الاُمّة وهم معروفون في أهل السّماوات أنَّهم يجمعون هذه الأعضاء المُتَفَرّقَةَ فيُوارونَها وهذه الجُسومَ المُضَرَّجة، وينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لِقَبر أبيك سيّد الشُّهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رَسمُه على كرورِ اللّيالي والأيّام، وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلالة في مَحْوِه وتطمِيسه فلايزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ عُلوّاً). 

 

هذه الرواية ذكرتها السيدة زينب سلام الله عليها للإمام السجاد صلوات الله عليه في يوم الحادي عشر من محرم عام 61 للهجرة. والمهم في هذه الرواية الشريفة هي كلمة (لهذا الطف). فكما تعلمون ان الحرف الواحد في العربية يغيّر معنى ومقصود الكلمة، فالنبيّ صلى الله عليه وآله لم يقل (في هذا الطف) بل قال (لهذا الطف) وهذا معناه ان ذكر الحسين صلوات الله عليه سينتشر في المعمورة كلّها وليس في كربلاء المقدّسة بأن تقام عليه القبّة ويشيّد له بناء وغيرها، ومصداق ذلك هو ما نراه من إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة في العراق وإيران وفي البلاد الإسلامية وغير الإسلامية. وبهذا الصدد أري أن أذكر لكم القصة التالية: 

 

المراجع والحفاظ على الشعائر الحسينية 

قبل قرابة خمسين سنة، كتبت إحدي المجلاّت الدينية في كربلاء أن المرحوم السيد حسين القمي رضوان الله عليه الذي كان من كبار مراجع التقليد في مشهد، قام بمواجهة البهلوي الأول، فحدثت واقعة مسجد كوهرشاد وقتل الكثير من الناس، وذهب السيد القمي إلى طهران ليقوم بعمل ما تجاه مظالم البهلوي الأول، فقام الأخير بنفي السيد القمّي ومن كان معه إلى العراق. فذهب السيد القمّي إلى كربلاء وأسّس فيها حوزة علمية، واجتمع حوله الكثير من الطلبة والعلماء كان أحدهم السيد الوالد والمرحوم الشيخ كاظم الشيرازي، والمرحوم السيد زين العابدين الكاشاني وغيرهم. وبعد ذلك مات البهلوي الأول وحلّ مكانه ابنه، فجمع السيد القمّي عدد من العلماء ليستشيرهم وقال لهم: إننا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر في إيران فلم نري تأثير ذلك وقام البهلوي الأول بنفينا. والأن أحتمل أن يؤثر قيامنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا نريد الذهاب إلى ايران لنقوم بذلك. فالبهلوي الأول هو الذي سنّ سنن سيئة وعلي رأسها منع إقامة المجالس الحسينية ومنع العزاء الحسيني، في كل مكان، حتي في البيوت الصغيرة. وكان من العلماء الذين استشارهم السيد القمّي هو السيد الوالد، فوافق كلّهم علي ما طرحه السيد القمّي حيث احتملوا التأثير فيما يريد السيد القمّي القيام به، ورأوا أن القيام بهذا الأمر هو واجب عيني علي السيد القمّي لأنه لم يكن من فيه الكفاية. فذهب السيد القمّي مع جماعة من العلماء ومنهم السيد الوالد، ذهبوا إلى إيران ودخلوا مدينة طهران. ونزل السيد القمّي في بيت أحد تجّار طهران، حيث كان بيت نجله صغيراً ولم يتسع لاستقبال العلماء والفضلاء والضيوف والمراجعين. ثم أرسل السيد القمّي رسالة إلى البهلوي الثاني وذكر له فيها ان أباك قد ذهب عن الدنيا وصنع ما صنع، وما فات قد فات، فاجعل الحرية للناس، ودع كل واحد منهم حرّاً في أن يقوم بالعزاء الحسيني. فرفض البهلوي الثاني. فكتب السيد القمّي رسالة ثانية فرفض الشاه أيضاً. ثم هدّده السيد القمّي فلم ينفع معه التهديد. وبعد فترة وبعد أن يئس السيد القمّي من أن التعامل السلمي لا ينفع مع الشاه، أمر صباح ذات يوم باجتماع كبار علماء طهران. فاجتمع عنده العشرات من العلماء، وقال فيهم: 

 

مسؤولية العلماء الحفاظ على الدين 

إنّ الحفاظ علي الدين في إيران هي مسؤوليتنا، فعلينا أن نقوم بذلك مهما كان الثمن. وقد سمعتهم ورأيتم ما قام به البهلوي الأول وما صنع. ونحن قمنا حينها بالأمر المطلوب وقام السادة العلماء بواجبهم أيضاً، وقُتل من قُتل الناس، وصودرت الأموال، وانتهي كل ذلك. واليوم علينا أن نعيد الكرّة من جديد. وأنا قمت بواجبي سلمياً فلم ينفع. والآن أدعوكم إلى مواجهة الشاه ونظامه. ومن هذا المكان أفتي بأنه يجب علي جميع المسلمين في كل إيران وبالأخص في طهران بأن يقاطعوا نظام الشاه. فلا يجوز للوزير أن يذهب إلى وزارته، ويحرم علي المواظّف أن يذهب إلى وظيفته، ويحرم أخذ الضرائب، ويحرم كل تعامل وتعاون مع نظام الشاه. وأنا أستشيركم في هذا الأمر، علماً بأنّي سأقوم بذلك لوحدي ولا أريد من أيّ أحد منكم بأن يشارك في الفتوي أو يوقّع عليها. 

 

إنّ السيد القمّي كان معروفاً بشدّة ورعه وتقواه، وكل السادة المراجع الجامعين للشرائط، هم أهل الورع والتقوي، ولكن على مراتب، والسيد القمّي كان معروفاً بشدّة الورع والتقوي. ونقل السيد الوالد أنه بعد أن أنهي السيد القمّي كلامه قام أحد الحضور وقال: سيّدنا أنتم لا تملكون مدفعية ولا دبابات، بل معكم أناس عزّل، والحكومة مجهّزة بالأسلحة ولها جيش، فتقتل وتسحق، وتريق الدماء. فوضع السيد القمّي يده علي رقبته وقال: في رقبتي دم كل من يُقتل في هذا الطريق، وإن بلغوا الآلاف، فالمهم هو أن لا يقضوا علي الشعائر الحسينية. علماً بأن السيد القمّي كان يحتاط جدّاً ويتجنب إراقة حتي قطرة دم واحدة. 

 

وذكروا أنه كان من أحد الحاضرين في ذلك الاجتماع، شخص كان مرتبطاً بالنظام فقال: سيّدنا يوجد حلّ سلمي آخر. فقال السيد: وما هو؟ قال: اسمحوا لي بالذهاب إلى الشاه وإخباره بما جري في اجتماعنا هذا، فلعلّ الشاه يعدل عن رأيه؟ فقال السيد: من المعقول أننا لا نريد إراقة الدماء، بل نريد إقامة الشعائر الحسينية. ثم سمح لذلك الشخص بالذهاب إلى الشاه وطلب من العلماء بالبقاء في الاجتماع إلى أن يرجع الرجل، وقال للأخير: إن أجاب الشاه بالإيجاب فبها، فنحن لا نريد إراقة الدماء، وإن أجاب بالسلب فسوف أفتي بالفتوى اليوم ولا أتركها لغد. وبعد ساعات رجع الرجل وأخبر السيد القمّي بأن الشاه قد وافق علي السماح بالقيام بالعزاء الحسيني. 

 

إنّ ما ترونه اليوم في إيران من إقامة للعزاء الحسيني فالسيد القمّي شريك في ثوابه. وعلماً بأنه لو لم يقم السيد القمّي بذلك لقام العلماء من بعده بهذا الأمر، فالأمر قد بني على أن تبقي القضية الحسينية الخالدة. فلقد وقعت الكثير من الوقائع عبر التاريخ في سبيل الله تعالى، وكانت مخلصة مائة بالمائة، من قبل الأنبياء وغيرهم، ولكنها انتهت وذهبت. 

 

مصير من حارب الشعائر الحسينية 

انظروا إلى الذين حاربوا ويحاربون القضية الحسينية من يوم عاشوراء وإلى يومنا هذا، من الحكّام وغيرهم، ماذا حلّ بهم وأين صاروا؟ علماً بأنهم ليسوا إلاّ كالشيء أو المتاع الذي يُستعمل لمرّة واحدة ثم يلقى في المهملات. ومن هؤلاء المنصور الذي كان مما قام به أنه هدم البيوت علي أصحابها الذين كانوا يقيمون فيها العزاء الحسيني، كما ذكر صاحب (موسوعة العذاب) ولعل ذلك مذكور في (بحار الأنوار) أيضاً. فهذا المنصور حكم العالم الإسلامي أي العراق وإيران والشرق الأوسط وامتداداً إلى أوروبا وأفريقيا، وكان يحكم بعنوان الزعيم الديني، والقائد الديني، وبعنوان خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن إلى أين صار؟ وما الذي بقي له، سوي اللعن. وأين المتوكّل العباسي الذي حكم قرابة عشرين سنة؟ 

 

أين هذا المتوكل الذي هدم البيوت التي كانت تقام فيها العزاء الحسيني وهدم قبر الإمام الحسين صلوات الله عليه لمرّات عديدة؟ 

 

يوجد في سامراء، وبالتحديد فيما بعد المسمّاة بالملوية، أرض صحراء لم تزرع، وأنا قد ذهبت إلى هذه الأرض وشاهدتها، فلا يوجد فيها أيّ زرع أو حتي نبات واحد. وهذه الأرض اسمها الخلفاء وهي تبعد عن الروضة العسكرية المطهرة حوالي ثلاثة كيلومترات، وسمّيت بالخلفاء لأن فيها قبر المتوكّل وقبر المعتزّ وغيرهم من ملوك بني العباس الذين حكموا في يوم ما العالم الإسلامي. فإن تشرّفتم لزيارة مرقد الإمامين العسكريين صلوات الله عليهما فاذهبوا إلى هذه الأرض، فسترون أنه لا يوجد فيها حتي قطعة حجر واحد كدلالة علي قبر المتوكّل وغيره من بني العباس. فاعتبروا ياأولي الأبصار. وهذا ما يقوله القرآن وذكرته الروايات الشريفة. فهؤلاء الحكّام صنعوا ما صنعوا مع زوّار الإمام الحسين صلوات الله عليه، ومع المقيمين للعزاء الحسيني، ومع المواكب الحسينية، خصوصاً المتوكّل الذي هدم قبر الإمام الحسين صلوات الله عليه عدّة مرّات، ولكن انظروا إلى القضية الحسينية فهي وكما في الحديث الشريف: (فلا يزداد أمره إلاّ علوّاً). فمهما تتعرّض له القضية الحسينية من محاولات العرقلة وغيرها، فهي تقوي أكثر وتزداد أكثر. 

 

أهمّية الشعائر الحسينية 

إن الحجّ من العبادات المهمة كما ذكر القرآن الكريم والروايات الشريفة، ولكن انظروا كم يذهبون إلى الحجّ، وكم يذهبون إلى كربلاء؟ 

 

لقد ذكر لي أحد الأشخاص في العام الماضي بأن الإحصائيات الرسمية بالعراق ذكرت أنه خلال سنة واحدة دخل العراق لزيارة كربلاء المقدّسة أكثر من مائة مليون من زوّار الإمام الحسين صلوات الله عليه، مع قلّة الإمكانات الموجودة بالعراق، ومع وجود المشاكل، ومع الشكوك التي تُثار حول جواز أو عدم الجواز للذهاب إلى زيارة كربلاء. فخلال ثلاثين أو أربعين سنة لا يذهب إلى الحجّ مائة مليون حاجّاً، ولكن في سنة واحدة يذهب هذا العدد من الناس إلى كربلاء! 

 

قبل قرابة ستّين سنة، جاء عدد من الأشخاص من إيران عند السيد الوالد وقالوا له بأن البهلوي الأول هدم الحسينيات، وسجن أصحابها وصنع ما صنع، والآن نريد بناء الحسينيات من جديد، فهل تجيزون لنا بأن نصرف من الخمس سهم الإمام في بنائها؟ فتبسّم السيد الوالد وقال لهم: من أفضل الموارد التي يُصرف فيها سهم الإمام هو في سبيل القضية الحسينية المقدّسة. 

 

كما نقلوا ان السيد عبد الهادي الشيرازي، وكان من كبار الفقهاء وصاحب تقوي عظيم، وكان يحضر درسه عدد من كبار الفقهاء المعاصرين، نقلوا عنه أنه كان يسلّم علي الإمام الحسين عليه السلام قبل تكبيرة الإحرام في كل صلاة. وكان يقول هذه الصلوات التي نصلّيها هي من الإمام الحسين عليه السلام. وهذا من معاني: (الإسلام حسينيّ البقاء). 

 

قبل قرابة ستّين سنة، كما يخطر على بالي، كان في صباح عاشوراء في كربلاء يخرج موكب يتألّف من سبع مجموعات، وكان عددهم يبلغ قرابة الألف. وفي العام الماضي نقل لي أحد الأشخاص أن الإحصائيات ذكرت بأن المشاركين في هذا العزاء كانوا أكثر من مائة ألف. 

 

وقبل أيام جاءني بعض الأشخاص من بغداد وذكروا أنه يقام في محلاّت بغداد في يوم عاشوراء العزاء الحسيني، وسألني أحدهم بأن بعض الأصدقاء يتركون بغداد ليلة وصباح العاشر من محرم ويذهبون إلى كربلاء، فيؤثّر ذهابهم على قوّة العزاء الحسيني في بغداد، فهل الأفضل لهم أن يبقوا ببغداد أم يذهبوا إلى كربلاء؟ فقلت له: برأي قل لهم أن يبقوا في بغداد لكي يحافظوا علي قوّة العزاء الحسيني فيها. 

 

القضية الحسينية امتحان للبشرية 

إنّ القضية الحسينية والشعائر الحسينية المقدّستين لا تتأثران بشيء مهما كثرت محاولات التعرّض لهما. فالبهلوي الأول، وكما نقل كبار السن وسمعنا وسمعتم أنتم، قام بهدم الحسينيات وسجن أصحابها، وعرّضهم للتعذيب، وغرّمهم غرامات مالية، وصادر أموالهم، وكان يبحث حتى عن المجالس الصغيرة التي كانت تقام من قبل بضعة أفراد في الأسحار في أماكن صغيرة وكان يحبس من يقيمها ويشارك فيها، ولكن انظروا الآن إلى إيران، حيث يقام فيها مئات الألوف من العزاء الحسيني والمجالس الحسينية في كل مدن إيران وأريافها وقراها. فالله سبحانه وتعالى خلق الإمام الحسين صلوات الله عليه ليبقى ذكره ويزداد بقاء، وهذا قول مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: (فلا يزداد أمره إلاّ علوّاً). والله تعالى يمتحن الناس في كل الأزمنة بالقضية الحسينية المقدّسة، في زمن البهلوي الأول وزمن المنصور وزمن المتوكل وفي باقي الأزمنة. 

 

أمران مهمّان 

هنا أوصي السادة العلماء، وأهل العلم، والشباب الجامعيين، والمفكّرين الشيعة، وما أكثرهم ولله الحمد، في أرجاء العالم، أوصيهم بجمع ما قام به الطغاة عبر التاريخ وباسم الإمام الحسين صلوات الله عليه من محاولات في محاربة القضية والشعائر الحسينية المقدّستين، وهي مذكورة في كتب الروايات كالبحار وفي كتب التاريخ وغيرها وما سمعوه من هذا وذاك، فنحن نفتقد إلى هكذا موسوعة. ورغم كثرة هذه المحاولات، لكن انظروا إلى الدنيا اليوم، فهي ملئية بالحسينيات التي تقام فيها المجالس الحسينية والعزاء الحسيني. هذا أولاً. 

 

ثانياً: إنّ الحسين مصباح هدي وسفينة نجاة، فلمن يكون الإمام مصباح هدي ووسيلة نجاة؟ هل للذين يجلسون آمنين في بيوتهم ولا يعانون من مشاكل، أم للذين هم في حال الغرق والضياع؟ 

 

إذن فعليكم بالذين أضلّوا السبيل، وفسدت عقائدهم، وفسدت أخلاقهم، فاهتمّوا بهم ولا تدعوهم يبتعدوا عن القضية الحسينية المقدّسة. فاجذبوهم، إلى المجالس والشعائر الحسينية، فسيتغيروا ويصلحوا شيئاً فشيئاً. فـ(كلكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته) كما في الحديث الشريف. فعلى كل رجل وامرأة، في أيّة نقطة من العالم، وبالأخص السادة العلماء، والوعّاظ، وأصحاب المواكب، وأصحاب الحسينيات، أن يسعوا إلى أن لا ينحرم من عطاء القضية الحسينية أحد، وبالأخص الذين ابتعدوا عن الحسينيات وتركوها، وتركوا المجالس الحسينية، والذين فسدت عقائدهم وأخلاقهم. 

 

ذكر العلامة المجلسي في البحار أنه: روي أن رجلاً في بني إسرائيل يقال له: خليع بني إسرائيل لكثرة فساده، مرّ برجل يقال له: عابد بني إسرائيل، وكانت على رأس العابد غمامة تظلّه، لما مرّ الخليع به قال (الخليع) في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل كيف أجلس بجنبه. وقال العابد: هو خليع بني إسرائيل كيف يجلس إلي، فأنف منه وقال له: قم عنّي. فأوحى الله إلى نبيّ ذلك الزمان: مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع وأحبطت عمل العابد، وفي حديث آخر فتحوّلت الغمامة إلى رأس الخليع. 

 

المسؤولية الخطيرة 

نحن أهل العلم لنا مقاماً عالياً، وبالمقابل نواجه منحدراً خطيراً جدّاً. فالذي يصعد على الجبل ثلاثة أو أربعة أمتار إن زلّت قدمه وسقط فسوف لا يتأذّي كثيراً، أما الذي يصل إلى قمّة الجبل، إن زلّت قدمه وسقط، فماذا سيكون مصيره وحاله؟ وهكذا الحال بالنسبة إلينا نحن أهل العلم. 

 

بلى إن الله تعالى قد مدح في القرآن الكريم العلماء الأتقياء، وطوبى للعلماء المتّقين، لكنه ذمّ علماء السوء بكلمة لم يذكرها لأيّ فاسق وفاجر، وهو قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا…) وإلى آخر الآيتين الكريمتين. فعلينا أن لا نقع في شباك الشيطان. فالعالم أو العابد قد يحرق تاريخه بكلمة غير لائقة واحدة أو بتصرف غير لائق واحد، كما في قصة خليع بني إسرائيل وعابد بني إسرائيل التي مرّ ذكرها آنفاً. وهذا ينطبق علي كل من يحاول عرقلة القضية الحسينية المقدّسة أيضاً، مهما صلّى وصام وحجّ. إذن أليس من المؤسف أن يحرق الإنسان تاريخه بكلمة واحدة أو تصرّف واحد؟ 

 

أنتم السادة أصحاب المواكب وأصحاب الحسينيات وأصحاب العزاء، إن رأيتم أنه صدر من أحد ما تصرّف غير لائق فلا تطردوه، بل واسعوا إلى جذب من ترك الحسينيات وترك العزاء الحسيني، فالفاسد يصلح إن شاء الله، وغير الطاهر يطهر أيضاً. 

 

عاشوراء مدرسة الإصلاح 

انظروا إلى أصحاب الإمام الحسين صلوات الله عليهم، ومنهم زهير بن القين الذي كان عثماني الهوي، كيف صلح وصار كحبيب بن مظاهر، مع اختلاف في الرتبة، وبات يحظي كل يوم بالسلام من الملايين والملايين من الناس. فالقضية الحسينية المقدّسة، قضية مطهِّرة، والأمثلة والنماذج في هذا الصدد كثيرة وكثيرة. 

 

إذن اسعوا إلى أن لا يُحرم من عطاء القضية الحسينية المقدّسة أحد، من الأقارب والجيران والأرحام، ومن تعرفونهم، والأستاذ والطالب والشريك وزميل العمل والدراسة، وعائلتكم، وعوائل أقاربكم، والرجل والمرأة، والشاب، وكبير السن، والصغير، وأهل العلم، والجامعي والطالب، والأمّي، والكاسب والتاجر وغيرهم. فاسعوا إلى جذبهم وربطهم بالمجالس والمواكب الحسينية. 

 

ذكر العلاّمة المجلسي في البحار، كما ذكر الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيخ الطوسي وغيرهم أيضاً عن الإمام السجاد صلوات الله عليه أنه قال (ما مضمونه): انه كان مع الإمام الحسين صلوات الله عليه عندما وصل أرض كربلاء ألف وخمسمائة رجل، وفي ليلة عاشوراء جمعهم الإمام الحسين صلوات الله عليه وقال لهم: وإني لا أظنّ يوماً لنا من هؤلاء الأعداء إلاّ غداً، ألا: وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ من بيعتي ليس عليكم منّي حرج ولا ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يريدون غيري….، ثم قام زهير بن القين فقال: والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثمّ نشرت ألف مرّة وإن الله قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك. 

 

فزهير بن القين الذي كان عثماني الهوي هكذا تغيّر وارتقى المقامات العالية، فعلينا إذن لا ندع من نعرفه بأن يسقط ويتهاوي، بل علينا أن نأخذ بيده ونخلّصه، ونجذبه إلى الشعائر الحسينية المقدّسة، بالتشجيع والترغيب والتحريض، وأن لا ندعه يُحرم من عطاء القضية الحسينية المقدّسة. 

 

تشكيك جديد 

أحد العلماء من خارج إيران جاء يودّعني ليرجع إلى مكان سكانه، فقال: تقام المجالس الحسينية والعزاء في البلد الذي أسكن فيه ولله الحمد، ولكن ظهرت جماعة مشكّكة جديدة، ومن جملة ما بدأوا يشكّكون به هو قولهم: لماذا هذا الإكثار والتنوّع من الإطعام في الشعائر الحسينية المقدّسة، فهذا إسراف. 

 

فقلت له: إنّ الله تبارك وتعالى وعن لسان المعصومين صلوات الله عليهم أجاز بالذهاب إلى زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه حتي مع وجود الخوف وحتي مع العلم بالقتل. ونقل العلاّمة الأميني أن مجموعة من كبار علمائنا أفتوا بأن إلقاء النفس في التهلكة لأجل الشعائر الحسينية المقدّسة لا يعدّ حراماً. وقلت له: فإذا لم يُحرم إلقاء النفس في التهلكة لأجل الشعائر الحسينية المقدّسة، فهل من الصحيح أنه لا يجوز الإطعام والإكثار منه في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ 

 

هداية المشكّكين والثبات على النهج الحسيني 

نحن علينا أن نسعى إلى الأخذ بيد حتي اولئك الذين يشكّكون بالإطعام في سبيل الإمام الحسين عليه السلام وأن لا نتعامل معهم بالسلب بل أن نتحدّث معهم ونحاورهم ونتباحث معهم إن كانوا من أهل العلم والمباحثة، وأن نعمل علي نجاتهم. علماً بأن ذلك العالم ذكر لي بأن اولئك الذين يشكّكون بالإطعام في العزاء الحسيني بعضهم يظن أنه أعلي مرتبة علمياً. فقلت له: مهما كان الأمر علينا أن نأخذ بأيديهم لكي لا يبتعدوا عن الشعائر الحسينية المقدّسة. فالإمام الحسين صلوات الله عليه جذب مجموعة من جيش عمر بن سعد إلى ناحيته ومنهم الحرّ. 

 

في الأيام القادمة سيطلّ علينا شهر محرّم وشهر صفر، فلنسع جميعاً إلى التزوّد أكثر، بأن نسعى إلى هداية الآخرين وإرشادهم ونصحهم، وأن نأخذ بيد من أغواه الشيطان بالتشكيك بالقضية الحسينية، وأن نجذبه إلى طريق الحسيني، فلعّل بعضهم عنده شبهة علمية فتباحثوا معه علمياً، وبعضهم قد يكون عنده شبهة جديدة حدثية فعلينا أن نأخذ بيده، وبعضهم يكون ممن قد كذبوا عليه. فعلي الإنسان أن يسعى إلى ثبات قدمه وثبات أقدام الآخرين في سبيل وطريق القضية الحسينية المقدّسة. 

 

وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين. 

 

جدير بالذكر، أنه بعد كلمة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، أقيم مجلس العزاء على مصاب مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه، من قبل بعض الفضلاء الحاضرين. 

تعريب: علاء الكاظمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى